لطالما تمنيت أن أحضر حفلة تتفرد بها فيروز وهي تطلق صوتها باتجاه القمر، وأن أجلس بالقرب من مسرح يطل منه محمد عبده هو ينشد واقفاً مثل الطاووس بأعذب القصائد والألحان ويقدم إيقاعات من كل المناطق يمزجها ويعيد تشكيلها بتفرد خاص.
والأمنية الأخيرة تحققت بفضل دعوة الزميل «الروتاني» علي العلياني، في أمسية عيد الأضحى بالقرب من أطول مبنى في العالم، برج خليفة بدبي، في ليلة رفع أبو نورة صوته ب»مذهلة»، في عالم من الأغنيات والأمنيات، أخذنا إلى «على البال»، «لا تضايقون الترف»، و»اختلفنا من يحب الثاني أكثر». وغيرها من أغانيه التي ستبقى خالدة.
ولنحو ثلاث ساعات حل الطرب ومحمد يتجدد بحضوره الطاغي وأدائه العذب، وكأنه يغني للمرة الأولى. اللافت أن جمهوره يمثل شرائح من أجيال مختلفة، وبين الحضور من هم في العقد الثاني وصولاً إلى العقد السادس.
إلى الجوار امرأة ملثمة تتكئ على عصا، منصتة بهدوء إلى أغنيات مر على البعض منها ثلاثة عقود أو أكثر، وإلى يسارها ابنتها ثم حفيدتها وفي المقدمة رجل خمسيني برفقة عائلته.
في الخلف شباب بين الخامسة عشرة والثلاثين يتمايلون طرباً مع الأنغام والفرح والحياة بألحان وكلمات متقنة.
الغالبية من الحضور سعوديون، عوائل وأفراد، وهناك الكثير من الخليجيين بوجه عام، وبعدها بيومين كان أبو نورة يغني في القاهرة وجمهوره عربي أيضاً، لكن يبقى السعوديون هم الغالبية.
كيف يستمر فنان بهذا الزخم والقامة والعطاء والتجدد؟ أو كيف استطاع محمد عبده - النموذج - أن يبدع ويزهر في مجتمع يطرب على استحياء، فيما البعض الآخر يحرم الفن ويتوعده.
الناس في البيوت والسيارات تستمتع وتطرب وتغني.
لكن لماذا لا يقف محمد عبده -مثلاً- أمام جمهوره في الرياض والقصيم وحائل والمدينة والأحساء والخرج، كما وقف في جدة وأبها؟.
لايزال محمد عبده -وأمثاله- غير قادرين على الغناء في كل المدن، هناك خوف وريبة تجاه الفن ومحاصرة له من قبل فئة لا تحبذه أو تجده محرماً، كما أنه أيضاً يهدد البعض من المتشددين ويفقدهم قبضتهم، وقد يتنافر مع غلظة البعض وترهيبهم وخشونتهم، في مواجهة مع الحياة وفطرة الفن الإنسانية الراقية.
كم أنت عملاق وأنت ترسل هذا الطرب لأجيال تستمع لك بمتعة تهذب أذواقها.
كيف لهؤلاء الذين لا يملكون ذرة إحساس فني أن يهذبوا العالم من حولهم؟.
وكيف تجمع أنت بالفن أجيالاً لا تبحث إلا عن الفرح والحب بسلام..؟