يعتبر علم إدارة الحشود من العلوم الحديثة التي اهتمت بها الدول لتنظيم الأمن والسلامة لهم والعمل على تلافي أي مخاطر تهدد حياتهم.
ولعل المملكة العربية السعودية وهي تستقبل سنوياً ما يزيد على ثلاثة ملايين حاج تتكفل بتوفيركافة الخدمات التي تسهل لهم أداء هذه الشعيرة بيسر وسهولة وذلك منذ وصولهم البلاد وحتى مغادرتهم والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه الإفساد أو زعزعة الأمن أو ترويع الحجاج أو إرهابهم، فإنها تمتلك خبرة ممتازة وطويلة في إدارتها لهذه الحشود التي تتدفق كلها في وقت معلوم إلى مكان معلوم ولفترة معلومة تتراوح ما بين4- 6 أيام فقط، وما يصاحب ذلك من حوادث التزاحم.
والتدافع عند مسيرتهم إلى منطقة عرفات أو النفرة منها إلى منطقة مزدلفة مروراً بمنطقة منى ورمي الجمرات والطواف بالبيت الحرام، وعلى الرغم من ذلك تنتهي هذه الحشود إلى بغيتها بسلام ولا تسجل - بحمد الله - الحوادث بسيطة كحالات الإعياء والتعب والفقد.
لقد أصبحت هذه التجربة مثار إعجاب دول العالم على مستوى المؤسسات والأفراد فقامت عدد من هذه الجامعات بتدريس هذه التجربة لطلابها، بل وأتى الخبراء والعلماء المتخصصون في هذا العلم للمملكة لمشاهدتها على الطبيعة، حيث تم هذا العام 1431هـ عقد المؤتمر الدولي عن أثر التجمعات والحشود البشرية على الصحة العامة الذي نظمته وزارة الصحة بجدة وشارك فيه أكثر من 500 شخصية و30 متحدثاً من داخل المملكة وخارجها من الخبراء الدوليين والاستشاريين المتخصصين في الأمراض المعدية والصحة العامة والفيروسات والمعنيين بتنظيم إدارة الحشود والتجمعات البشرية من كافة دول العالم للتعرف على التجربة السعودية الفريدة والمتميزة في إدارة التجمعات البشرية خلال مواسم الحج.
وبنظرة عامة لما يحدث في دول العالم من مناسبات واحتفالات يحضرها الملايين إلا أنه لم يصل العدد الذي يبلغ أكثر من 3 ملايين حاج في أي بلد من بلدان العالم إلا في بلدين فقط هما الولايات المتحدة الأمريكية عند احتضانها لمباريات بطولة كأس العالم عام 1994م في لوس أنجلوس حيث حضرها 3.59 مليون شخص، وجمهورية جنوب إفريقيا عند احتضانها أيضاً لمباريات بطولة كأس العالم عام 2010 في جوهانسبرغ ما يقارب من 3.18 مليون شخص.
ولكن ما يحدث هناك يختلف هنا حيث الزمان والمكان المخصوصان، والأداء الموحد للشعائر والتنقل إليها في زمن موحد، إلى جانب جنسيات الحجاج واختلاف ثقافاتهم وتباين مستويات وعيهم والأوضاع الصحية في بلدانهم.
وفي ورقة عمل قدمها سعادة اللواء مهندس/ منصور التركي المتحدث الرسمي بوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية في المؤتمر الدولي عن أثر التجمعات والحشود البشرية على الصحة العامة حيث أوضح بأن هناك حوالي 3 ملايين مسلم يؤدون الحج كل عام من بينهم 700 ألف يسيرون على الأقدام ولا يستخدمون سيارات أو وسائل نقل، إلى جانب 75 ألف سيارة تقوم بنقل الحجاج من وإلى المشاعر المقدسة خلال فترة زمنية تتراوح مابين 4-6 أيام، يجتمعون كلهم حول الكعبة في يوم واحد في حين أن الطاقة الاستيعابية للحرم المكي حوالي 700 ألف مصل مما يشكل ضغطاً شديداً على هذه المنطقة، كما أن سعة الطواف حول الكعبة تصل إلى 53ألف في جميع الاتجاهات، في حين أن طاقة المسعى 118 ألف شخص.
لعلنا هنا نقف ونشاهد هذه الحشود الهائلة وهي تتحرك نحو مكان واحد من جملة مناطق المشاعر المقدسة وهي منطقة الحرم المكي كيف تزدحم الطرق وتتعطل الحركة وسيارات الطوارئ مما يؤخر وصول الخدمات المعيشية والصحية والأمنية لمستحقيها، فتزيد المشكلات الصحية من انتشار الفيروسات والأمراض وحالات الإعياء والتعب خاصة كبار السن والنساء والأطفال مما يستدعي إعداد خطط لمواجهة هذه المشكلات تحدد البديل وطرق التدخل في الوقت المناسب.
نسأل الله أن يعين هذه الدولة السنية وولاة أمرها وقادتها والمسئولين فيها على التعامل الحسن مع هذه الحشود والتجمعات البشرية إنه ولي ذلك والقادر عليه.
لواء دكتور متقاعد