البعض من قراء الرأي وهو أقل من القليل لا يكتفي برفض مضمون ما يقرأ أو بالاحتجاج والرد المنطقي المهذب على الفكرة، بل يتعدى كل وسائل الرفض والاحتجاج إلى اتهام الكاتب في انتماءاته واستمطار الدعوات عليه وعلى كل ما له وما حواليه. قد يكون مفهوماً (غريزياً وليس دينياً) أن يصل الحنق بأحدهم إلى حد الدعاء على الكاتب لتنفيس غضبه عليه ورفضه لفكره، لكن ما ذنب الآخرين حين يشملهم معه بالدعاء عليهم. هذا النوع المريض من القراء يستغل أدغال الشبكة العنكبوتية لينفث أحقاده من خلال خيوطها المتشابكة وهو قابع في الظلام، لكنه لا يدرك أنه حين يتوجه إلى الله ليدعوه بإنزال المصائب على الآخرين قد يرتد عليه سوء عمله. إن الخالق العادل العظيم لا يقبل إلا ممن دعا الله بقلب سليم أما أصحاب القلوب المريضة فقد توعدهم بسوء المنقلب. لست أذكر اسم ذلك القائد الذي سأل الله أن يرزقه أعداء سلاحهم الدعاء، لأنه كان يعرف أن الدعاء لا يقبل منه إلا المصحوب بالأعمال والنيات الصالحة، وصالح الأعمال والنيات هو ما يقصد به فائدة البلاد والعباد وليس التدمير والخراب.
مثل هذا التصرف العدواني ضد الآخرين المختلفين لا يتعدى كونه نوعاً من التعدي اللفظي ولا يصدر إلا من فكر مريض لا يتسع لطلب الهداية من الله لصاحب الرأي الآخر، وفي ذلك منتهى الأنانية واللؤم ومركزية الذات التي لا تطيق خيراً يتعداها إلى الآخرين.
على ذكر التعدي اللفظي، أعتقد أنه يتوجب علينا الاعتراف بانتشار أنواع عديدة منه في مجتمعنا في السنوات الأخيرة ومنها على سبيل المثال:
* التعدي اللفظي على النساء عند إشارات المرور وفي الأسواق والمستشفيات وأبواب المدارس والجامعات.
* التعدي اللفظي بالتحريض على صاحب الرأي المختلف باتهامه بالتغريب أو العمالة أو الردة مع ما يتضمنه هذا التعدي من الدعوة بالتحريض أو التلميح إلى إيقاع الأذى بالآخر أو حتى الإيحاء بتصفيته مثلاً من قبل تائب مخدرات يظن أنه يتقرب إلى الله بتنفيذ رغبات ديماغوجي أعمى الحقد قلبه وعقله عن القياس الشرعي السليم للأمور.
تعدي القوي على الضعيف مثل تحقير الرجل لزوجته وأولاده وإنكار حقوقهم وتحقير الرئيس لمرؤوسيه في العمل والكفيل لمكفوليه وخدمه وإذلالهم وأكل حقوقهم بالباطل. ولأن أنواع التعديات أصبحت كثيرة ومجهولة المصادر أحياناً ومقلقة فإنه من المهم توفير إمكانيات أكثر وأسرع وأنجع لإيقافهم ولجمها بوسائل الرقابة والوقاية النوعية قبل أن تتحول إلى فعل وممارسة. يجب أن يعرف الشخص المصاب بداء الأنا المركزية والتسلط وانتفاخ الذات أنه مراقب وسوف يؤخذ على يده فوراً وقبل أن يتصرف على هواه ويتجاوز على ما هو من مسؤوليات الدولة ومؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، وقبل أن يتسبب في استثارة ردود أفعال مماثلة لفعله قد تقود إلى فتنة عامة والفتنة نائمة لعنة الله على من أيقظها. على كل شخص يستظل بظل هذه البلاد الكريمة أن لا يأمن العقوبة إن هو أساء الأدب لأي سبب من أسباب الاستقواء بتيار أو شلة أو جماعة لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.
الرياض