يميل كثير من الفقهاء في آرائهم إلى أن زكاة أهل البلد للبلد نفسه، وهذا أقرب إلى الحقيقة والواقع والمنطق، إذ إنه ليس من الممكن أن يُخرج أهل البلد زكاتهم وأموالهم، بل وإحسانهم إلى آخرين وإخوانهم الذين يقاسمونهم المكان والماء والهواء في نفس المكان الجغرافي يعانون شحًا أو فقرًا أو حاجة!
إن رؤية أي فقير تقول: إنه من غير المنطقي أن تمرَّ قوافل الطعام والخير من بلدتي للبلاد الأخرى رغم حاجتي لها، أليس هذا من العقوق الوطني والعقوق للبلد؟ ألا يبدو هذا غير منصف حتى لو سألت أصحاب البلدة الأخرى، هل تُخرجون خيركم وفضلكم لغيركم أم لبلدكم لكانت إجابتهم: بلادنا أولى بنا وبأموالنا، وهذا ما يجدر بنا، بلادنا وأبناؤنا أولى بنا.
قياسًا على هذا، فإن قرار صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، بقصر التدريس في حلقات تحفيظ القرآن الكريم على السعوديين، قرار منطقي جدًا وعاقل جدًا وإسلامي جدًا ووطني جدًا. وهذا القرار هو بر في إخوانه السعوديين، فمن المؤسف ألا يجد السعوديون وظيفة في حين يحصل غيرهم من غير أهل البلد من أشقائنا وإخواننا المسلمين غير السعوديين وظيفتين لأن معظمهم جاءوا على عقود عمل وإلا أصبحت إقامتهم غير نظامية وهذه مصيبة أخرى!
إنني في حالة ذهول غريبة جدًا من هذا الهجوم على هذا القرار الرشيد، فهؤلاء الذين يهاجمون هذا القرار، أين الحس الوطني فيهم، أين شعورهم عن إخوانهم الذين لا يجدون وظيفة ولا يجدون فرصة لإطعام أهل بيتهم، ويريدون أن تذهب هذه الوظائف لأناس في الأصل لديهم وظائف أخرى أو أنهم تم استقدامهم للتدريس، في حين أن في للبديل السعودي أحقية وهو متوفر، بل إني في أشد حالات الاستغراب أننا نرى هؤلاء المهاجمين وهم يعيبون على بعض الذي يخالفونهم في الآراء والتوجهات الفكرية، يعيبون عليهم أنهم ليسوا سعوديين وأنهم يريدون تغريب بلدنا في حين أننا نرى أن الفكر هو حرية متاحة للجميع.
في الحقيقة ما أراه من هجوم ليس له أي مبرر آخر سوى الهجوم، وكأن البعض يريد فقط أن يصطاد في الماء العكر.
القرار رشيد جدًا، وهذه الانتفاضة القادمة من استعداء الناس على السلطة هي حركة مكشوفة للنيل من الوطنيين ويا ليتهم قد وفروا وظائف للسعوديين بدلاً من تضييعها عليهم، فبأي وجه سيقابلون الناس وهم يرون أبناءنا بالآلاف يقدمون على عدد محدود من الوظائف لا يتجاوز عدد أصابع اليد ويريدون من هؤلاء ألا يستفيدوا من هذه الفرصة.
إنني أشد من أزر من أمر بهذا القرار الحكيم، وأقول: إن مجالات الخير ليست للسعوديين فحسب بل لكل المسلمين لكن أهل البلد أولى من غيرهم وإذا ما صار لدينا فائض في الوظائف فنحن وهم شركاء في العمل إذا ما كانت إقامتهم نظامية، فهذا البلد استضافهم لسنوات وليس عاجزًا أن يستضيفهم أكثر وأكثر لكن حق أبنائنا علينا أن نوفر لهم الفرص قبل غيرهم.