Sunday  14/11/2010 Issue 13926

الأحد 08 ذو الحجة 1431  العدد  13926

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

(ومضات من عطاء أبي ياسر) رحمه الله
موسى بن محمد السليم(*)

 

رجوع

 

ودعت المنابر العلمية والفكرية في منتصف الأسبوع الماضي علماً بارعاً من أعلامها المتميزين ونعت الأوساط الثقافية والإعلامية رائداً من روادها المخلصين وشيعت الجموع الغفيرة من المواطنين والمسؤولين بقلوب ملؤها المحبة الآسرة والفجيعة الظاهرة صاحب المعالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني (تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنته وألهم زوجته وذريته ومحبيه وعارفي فضله جميل العزاء والصبر، وعظيم المثوبة والأجر).

لقد كنت وعدد من الأصدقاء وزملاء الدراسة الجامعية نسمع عنه -رحمه الله- من زملائنا الدارسين في جامعة الملك سعود كنموذج معطاء من أبناء مكة المكرمة بعصاميته وخلقه وجديته وتفوقه الدراسي.. وشاء الله أن أسعد بلقاء معاليه خلال العام الدراسي (14392-1393هـ) عندما كنت عضواً في البعثة التعليمية السعودية بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث حضر مع وفد ضمّ عدداً من رموز العطاء الوطني والفكري في المملكة من بينهم معالي الشيخ حسين منصوري ومعالي الدكتور غازي القصيبي -رحمهما الله- للمشاركة في بعض مشاريع البناء والنماء في الإمارات الشقيقة ومنها الطريق الذي أنشأته المملكة في ذلك الوقت لربط إمارات دبي والشارقة وعجمان وأم القوين والفجيرة ورأس الخيمة ببعضها وتسهيل التواصل بين أبنائها وذلك قبل استقلال دولة الإمارات..

وأثناء زيارة الوفد السعودي لرأس الخيمة حظينا بلقائهم والاجتماع بهم في مقر المعهد العلمي السعودي وكنا مجموعة من المعلمين والإداريين الموفدين من وزارة المعارف ومن معاهد جامعة الإمام، وعندما تحدث إلينا معاليه وجدنا في حديثه الأخوي اهتمامه العملي نبرة حرص ومحبة نابعة من روح شبابية مخلصة ومشاعر وطنية صادقة بعيدة عن التعالي والبيروقراطية اتضحت من سؤال وجهه لنا بكل واقعية وعفوية عندما قال (ما الذي عملته الوزارة معكم وكان يجب ألا تعمله، وما الذي قصرت فيه الوزارة تجاهكم وكان يجب أن تقوم به) سؤال يظن بعضهم أن يصدر من صحفي يتصيد أو ناقد يترصد إلا أنه اتضح لنا بمعطياته وما تلاه من إيجابيات أنه صدر من مسؤول مخلص يعي حقيقة مسؤوليته وحقيقة مهام الموفدين من وزارته ويسعى لإزالة كل ما قد يعترضهم في أداء رسالتهم.. ثم شاء الله أن أتعرف عن كثب على ما يتميز به معاليه من روح معطاءة متوثبة عندما تشرفت بالعمل سنوات عديدة في إدارة مدارس الرياض للبنين منذ العام 1397هـ حيث كان -رحمه الله- في تلك السنوات الطيبة وزيراً للإعلام وعضواً في مجلس إدارة مدارس الرياض وجمعيتها العمومية لكون أنجاله -حفظهم الله- من طلابها فعرفت من خلال تشرفي بالتعامل معه عن كثب ما يتميز به من روح أبوية تربوية معطاءة وروح وطنية بناءة تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام الصادق ببناء شخصيات الأجيال الصاعدة وإعدادهم الحق لمعترك الحياة وتأصيل الالتزام بالعقيدة الإسلامية العظيمة والقيم الاجتماعية الكريمة في قلوبهم وتعميق محبة الوطن والولاء له ولقيادته السامية في نفوسهم والحرص كل الحرص من خلال برامج النشاط المدرسي في المدرسة وبرامج التلفزيون والإذاعة على كل ما يعود بالمنفعة والتنمية لإمكاناتهم وصقل قدراتهم باعتبار أنهم الثروة الحقة لأمتهم وبلادهم.. كانت هذه الأفكار الرائعة ومضات محبة وعطاء لبلادنا الغالية ساهمت في إضاءة دروب البناء التربوي والإعلامي لأبناء جيلنا، وتشرفت أسرة المدارس من خلالها في تلك السنوات المعطاءة بتقديم عدد من البرامج التربوية الإعلامية التي كان معاليه رائداً لها من أجل إعطاء الشباب ذكوراً وإناثاً وخاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة مساحة أكبر لتنمية هواياتهم الثقافية ومواهبهم المسرحية والفنية والرياضية والإعلامية فكانت موافقته على إعداد وتقديم برنامج يومي بعنوان (من نادي المدارس) خلال إجازات الربيع إحدى تلك الأفكار الإعلامية التربوية الرائدة النابعة من حرصه -رحمه الله- وكان إعطاء المجال لتقديم الأناشيد المدرسية الوطنية والتربوية وتشجيعها واحداً من اهتماماته الوطنية في إعداد الأجيال الصاعدة بل أتذكر أنه كتب للمدارس أكثر من نشيد ومسرحية قام الطلاب والطالبات بأدائها وتقديمها في برامجهم وحفلاتهم المدرسية، ولن تنسى أسرة مدارس الرياض للبنين والبنات ما كان يقوم به -رحمه الله- من اهتمام ومؤازرة لها في برامج نشاطها المدرسي بدعم مالي سخي من الشيخ صالح كامل -رعاه الله وشفاه- ساهم في تطوير نهجها التربوي في ضوء رعاية وتوجيهات سيدي صاحب السمو الملكي رئيس المدارس الفخري الأمير الجليل سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وأيده وأسبغ عليه تمام الصحة والعافية- وذلك عندما كانت المدارس في بداية مراحل تطويرها بصفتها مدارس لا تهدف للربح المادي ونموذجا يقتدى للتعاون التربوي الحكومي والأهلي؛ ولن ينسى أبناء المدارس كذلك حينما تلطف معاليه -رحمه الله- وشارك بروح أبوية علمية في النشاط الثقافي للمدارس بإلقاء محاضرة متميزة بعنوان (الأطباق الطائرة) أعطى لأبنائه الطلاب وأساتذتهم من خلالها معرفة علمية دقيقة عن تلك الظاهرة بعيداً عن كل الأوهام والأكاذيب والتخرصات التي واكبت رؤية تلك الأطباق آنذاك وأتذكر أنني تشرفت حين تقديم معاليه لإلقاء تلك المحاضرة الرائعة بقول هذه الأبيات المتواضعة:

أبا ياسر مرحى تفضّل وأعطنا

حداثة علم حاضر إثر ماضي

فقولك تعليم وفكرك مغنم

وأنت جدير بالعلا والمعالي

وحلّق بنا في ذا الفضاء وقل لنا

علوم الثريّا فالسهيل يماني

إذا قيل هل من شربة تُطفئ الظّما

فمنهلك الصافي معين مُنادي

وكان -رحمه الله- رغم مشاغله الرسمية والعلمية وارتباطاته العديدة حريصاً على واجباته الأبوية التربوية بدراية وعمق رويّة في تهذيب وتأديب وتربية وتعليم أبنائه (ياسر، وعبدالله، وعبدالعزيز، وابنته فاطمة -حفظهم الله- يسأل عن واجباتهم المدرسية ومواظبتهم المدرسية ومشاركاتهم الاجتماعية، وقبل كل ذلك كان همّه الأول عندما يلتقي بمعلّميهم في اللقاءات الفصلية التي كانت تنظمها المدارس بين الآباء والمدرسين أن يطمئن على سلوكهم في المدارس ومحافظتهم على أداء الصلاة جماعة، وقد ذكر لي ابني محمد الذي كان زميلاً لأنجال معاليه في المدارس وكان أحياناً يزورهم مع عدد من زملائه خلال إجازة يومي الخميس والجمعة لمزاولة أنشطة رياضية وترفيهية بمنزلهم الواقع على شارع العليا بالرياض أن معاليه -رحمه الله- كان يشاركهم في بعض ألعابهم الرياضية ويحرص عند أذان المغرب أن يؤدوا معه الصلاة جماعة في المسجد المجاور لمنزله -تغمده الله بواسع رحمته-.

إن ما أشرت إليه آنفاً يعتبر في الحقيقة غيضاً من فيض الومضات المضيئة في حياة وعطاء معالي الفقيد الجليل الذي وفقه الله لخدمة دينه ووطنه في عهود ملوكه الأشاوس الميامين فيصل وخالد وفهد -رحمهم الله أجمعين- في مهام علمية وإدارية وإعلامية معطاءة، وحتى بعد انتهاء عمله وزيراً للإعلام ساهم بأفكاره البناءة في خدمة دينه ووطنه وقيادته السامية إبان عهد الملك فهد -طيب الله ثراه- ثم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وسمو ولي عهده الأمين وسمو نائبه الثاني -حفظهم الله وأدام عزهم وتوفيقهم- ولعل خير دليل على ذلك المقالة المنيرة التي بعث بها إلى صحيفة الجزيرة قبل وفاته بيوم واحد ونشرتها بعد وفاته بيومين في عدد الأربعاء الماضي الرابع من ذي الحجة1431هـ بعنوان (خادم الحرمين.. والعراق... وعمل صالح).

وكان إضافة إلى استمراره في العطاء الفكري البناء من خلال مقالاته الصحفية ومشاركاته الإعلامية ومؤلفاته العلمية والأدبية والاجتماعية العديدة حريصاً على الإسهام الفاعل في كثير من المشاريع الخيرية والشفاعة لكل قاصد ومحتاج حسب ما عرف عنه وما أشار إليه صديقه القريب وزميله الأريب رفيق درب عمله وعطائه في إخلاصه ووفائه معالي وزير الإعلام الأخ الوفي الدكتور عبدالعزيز خوجه -وفقه الله وأعانه- حيث قال لمندوب صحيفة الرياض (أثناء تشييع الفقيد العزيز إن الدكتور محمد عبده يماني رجل عظيم، رجل خير سعى طيلة حياته في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم للتغلب على مصاعب الحياة وكان لا يبخل بجاهه ولا بماله على كل من قصده).

ولا أجد في نهاية هذه المقالة التي أعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الواجب تجاه فقيدنا الغالي الكبير قدراً وعلماً وعطاءً وإنسانية إلا أن أبتهل إلى الله العلي القدير أن يجعله ممن قال عنهم سيدنا وحبيبنا رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- (يحشر قوم من أمتي يوم القيامة على منابر من نور ويمرون على الصراط كالبرق الخاطف نورهم تشخص منه الأبصار لا هم بالأنبياء ولا بالصديقين ولا بالشهداء إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس). (رحمه الله ورحم والديَّ ووالديه وجميع أموات المسلمين).

(*) عضو مجلس الشورى

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة