الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
أرجع عدد من الأكاديميين والمتخصصين في علوم العقيدة والشريعة الأعمال والسلوكيات الخاطئة التي يقع فيها بعض ضيوف الرحمن عند أداء مناسك الحج والعمرة إلى القصور في الرسالة التوعوية والإرشادية والتثقيفية التي تؤديها المؤسسات الدعوية والإرشادية تجاه توعية الحجاج بأحكام وواجبات الحج والعمرة، وتلقي الفتاوى المتعلقة بهذه الأحكام من أناس ليسوا أهل للفتوى.
جاء ذلك في معرض إجابات أصحاب الفضيلة على عدد من الأسئلة حول ثقافة ضيوف الرحمن ومدى معرفتهم بمناسك الحج، وأسباب وقوعهم في الأخطاء.
قلة المراكز
بداية يستهل الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء بالرياض إجابته بالقول: إن المملكة تستقبل في كل عام ما يزيد على مليون حاج من خارج المملكة من مختلف البلاد الإسلامية، وقد شرّفها الله بخدمتهم وتقديم ما يكفل لهم أداء نسكهم بيسر وسهولة، إضافة إلى ما تقوم به المملكة ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من التوجيه والإرشاد والتوعية بأحكام الحج والعمرة بواسطة الدعاة والمرشدين المتواجدين في المشاعر وعن طريق الكلمات والمحاضرات في المساجد وخاصة مسجد الخيف بمنى، حيث العدد الكبير من الحجاج ورغم كل هذه الإمكانات والأنشطة الدعوية إلا أنه توجد أخطاء من بعض الحجاج في أداء النسك وسلوكيات لا تليق بالمسلم خاصة وهو في هذه الديار المقدسة.
ورأى فضيلته أن هناك أسباباً عدة لهذه الأخطاء منها: قلة المراكز الدعوية بالنسبة لاتساع المشاعر، وعدم توفر الترجمة الكافية في تلك المراكز نظراً لتعدد اللغات، وتزاحم الحجاج على المركز الواحد الذي لا يمكن الجميع من الاستفتاء، وإفتاء من ليس أهلاً للفتوى من عامة الناس وخاصة المسؤولين عن تنظيم السير وهداية الحجاج من الكشافة، وتقصير بعض المواطنين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكثير من الحجاج القادمين من الخارج لا يعلمون شيئاً عن أحكام الحج وقدسية هذه الأماكن، والتقصير أيضاً من المراكز الإسلامية في الدول التي وفد منها الحجاج، والتقصير من بعض الدعاة المكلفين بتوعية الحجاج فمنهم من لا يؤدي واجبه على الوجه الأكمل.
وقال الدكتور إبراهيم الحمود: إنه يمكن التغلب على هذه الأسباب وعلاج هذا القصور من خلال زيادة عدد المراكز الدعوية في المشاعر، وزيادة عدد المترجمين بحيث تشمل الترجمة جميع اللغات.، وزيادة عدد الدعاة الجوالة، ومخاطبة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتكثيف رجال الهيئة في المشاعر لمراقبة الحجاج وتوعيتهم للحد من السلوكيات الخاطئة، وطباعة عدد كبير من المطويات عن مناسك الحج بلغات مختلفة وتوزيعها في المشاعر على المخيمات، ودعم برنامج التوعية الإسلامية في الحج ليعم وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية.
وشدد فضيلته «في هذا الصدد» على ضرورة إقامة دورات عن مناسك الحج في الدول الإسلامية بحيث يدعى إليها من يجهل أحكام تلك المناسك ممن هم على قائمة السفر للحج تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وتكثيف الدروس في الحرم المكي وفي مسجد الخيف بمنى عن أحكام الحج والإجابة عن أسئلة الحجاج، ووضع لوحات إرشادية تدل على مراكز التوعية، وتجهيز شاشات عرض في صالات استقبال الحجاج بالصوت والصورة عن مناسك الحج والعمرة، وكذا في الطائرات زمن الرحلة، وبلغات مختلفة، يعرض خلالها أنموذج حي لحاج وهو يؤدي مناسك الحج، فليس من رأى كمن سمع.
تعليم العامة
أما الدكتور محمود بن محمد المختار الشنقيطي الداعية بمركز الدعوة بمكة المكرمة، عضو التوعية الإسلامية بالحج فقد أجمل أسباب وقوع الحجاج في الأخطاء في : عدم التطرق - غالباً - في خطابنا الدعْوي (للعامة)إلى مناقشة الأقوال الضعيفة والمرجوحة، وتفنيدها والإجابة عن الاعتراضات والإيرادات على القول الراجح القوي ،الذي يعضده الدليل في (نظر الداعية)، فنفترض - نحن الدعاة - بساطة الحاج دائما، وضعف مستوى استيعابه للخلاف، وقِصَر فهمه عن إدراك هذه المناقشات، وحصر هذا النوع من الطرح على من يظن أنهم طلاب علم أو متخصصون!
وقال: وإذا كان هذا الافتراض صحيحا في زمن مضى، وسار عليه العلماء في منهاج التعلم والتعليم قديما، فإنه لم يعد اليوم صحيحا في الأعم الأغلب، لكثرة المشوشات على العامي، وتعدد مصادر تلقيه وتعلمه من خلال مواقع البحث في الشبكة العنكبوتية والفضائيات، وخدمات الاستشارات الهاتفية، فأضعفت كل هذه المصادر تعليم العامة القول الراجح عند الداعية وأخذهم منه، وأنتجت عدم قناعته كثيرا بطرح الداعية، وبالتالي قد يقع في أخطاء ظنا منه قوتها ورجاحتها على ما تعلمه، مضيفاً ومن الأسباب كذلك غياب الحديث مقاصد وعلل وحِكَم وأسرار وذكر ثمار وإيجابيات الحج في خطابنا الدعوي ؛ فإنه أعظم ما يعين على قبول القول والارتياح له.
ودعا فضيلته إلى تقوية وتعزيز جانب الإتباع والتأسي والاقتداء كمقصد من مقاصد الحج العظام التي يرجع بها الحاج والمعتمر وهي معلم واضح في عبادة الحج كما في قول الفاروق عمر رضي الله عنه: عند الشيخين رحمهما الله في الحجر: (أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك)، ونشر وتبسيط الضوابط العلمية التي ذكرها العلماء للعامي، فيما يعينه على الأخذ بالقول الراجح القوي، في حالة اختلاف أقوال العلماء والمفتين عليه في المسألة الواحدة، وهذه الضوابط العملية مشهورة مسطرة في كتب الأصوليين والفقهاء حتى في المختصرات، فننشر هذه الضوابط ونعلمها الحجاج والعمار ونشرحها لهم، فلا يضيع العامي في خضم المعركة بين دعاة التسهيل والتيسير المنفلت، وبين دعاة التشدد المنغلق.
الجهل الذريع
من جانبه عزا الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل الأستاذ بجامعة الإمام وعضو اللجنة العلمية في التوعية في الحج والعمرة، الاعتقادات، والتصورات الخاطئة التي تقع من ضيوف الرحمن إلى أسباب متنوعة، أهمها: الجهل الذريع الموقع لكثير من الحجاج والمعتمرين في تكلم الأخطاء فهذا الجهل، والذي سببه قصور في تعلمهم دينهم عقيدة وعبادات وقصور في تعليمهم ودعوتهم وتوجيههم في بلادهم قبل قدومهم، فمن هذا الجهل جهل في الاعتقادات خطير يفسد عليهم ما قدموا لأجله فتسمع من بعض الحجاج والزوار دعاء وسؤال واستغاثات بغير الله من الأموات والغائبين من الصالحين وغيرهم عند الإحرام والطواف وفي السعي والحرمين ومشاعر مكة ومنى وعرفات، والله عز وجل يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن 18، والنبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الشهير قوله: (إذا سألت فسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) الحديث، ومن الأخطاء الشنيعة من آثار تعلقهم في بلادهم بالأضرحة والمزارات والمقامات تقديسهم جبال مكة وحجارتها وتكسيرها وحملها معهم لبلادهم على سبيل البركة، وكذا رقيهم على جبل عرفات وتمسحهم بالشاخص أعلاه، وبأبواب المسجد الحرام وأعمدته وجدرانه وشبابيكه، مما يؤسف له جداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن الأخطاء في المناسك تخطيهم الميقات بلا إحرام، والاكتفاء بتقصير شعرات من جوانب الرأس دون تعميمه بالحلق أو التقصير، أو التهاون بالوقوف بعرفه أو المبيت بمزدلفة أو المبيت بمنى ليالي التشريق، ومن الأخطاء في السلوك: التزاحم والتدافع في أداء المناسك، وأداء السنن منها، كتقبيل الحجر واستلامه، والطواف بالبيت، ورمي الجمار، والنفرة من عرفة ومزدلفة، ومنها الاشتغال بالقيل والقال والسب والشتم، والتنابز بالألقاب في هذه البقاع المعظمة، أو التدخين والنظر للحرام.
وأشار فضيلته إلى التعصب والتشدد من بعض الحجاج والعمار لما هم عليه، وما عليه آباؤهم ومشايخهم من العبادات والعوائد المبتدعة والمخالفة لدين النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما كان عليه أصحابه وآله رضي الله عنهم، حيث يمنعهم ذلك التعصب من قبول النصح والتوجيه والإرشاد والتبيين من العلماء والدعاة في الحرمين، المسخرين لخدمتهم وتعليمهم، ومحاولة بعض الحجاج والعمار وبعض المنظمات تسييس الحج والموسم الشريف لأغراض تتنافى وهذه الشعيرة العظيمة التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام: من أهداف سياسية أو حزبية أو مآرب أخرى لتفريق المسلمين وصرفهم عن توحيد رب العالمين في أداء الحج والعمرة والزيارة..!
واقترح فضيلته عقد دورات مختصرة مناسبة للمتقدمين لفيز الحج والعمرة والزيارة. وندب بعض أعضاء التوعية وبلغات عديدة مع حملات الطائرات والبواخر القادمة للمناسك، وإعداد وصياغة أفلام وثائقية تعرض في الطائرات ووسائل الإعلام، والاهتمام بالترجمة الفورية في وسائل الإعلام والقنوات لخطبة عرفة، وتكثيف عدد العلماء والدعاة المرشحين لتنفيذ خطط الوزارة وبرامجها من ذوي الكفاية والعلم والديانة.
مسؤولية الحاج
وفي ذات الشأن، أعرب الدكتور سليمان بن صالح الغصن أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض: عن اعتقاده أن القصور والتقصير حاصل من عدة أطراف فالحاج هو المسؤول الأول عن أداء نسكه وفق شريعة الله مما يتطلب منه الحرص على تعلم المناسك قبل الدخول فيها والتقصير في ذلك ظاهر، كما أن أكثر الجهات المعنية بالحجاج في الدول الإسلامية لا تهتم إلا بالأمور الرسمية والنظامية دون ما يتعلق بالنواحي الشرعية المرتبطة بتصحيح أداء الحاج لنسكه.
وانتهى إلى القول: إن ما تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية من التوعية في الحج فهو جهد جبار ويغطي كثيرا من النقص في هذا الجانب غير أنه لم يتأهل حتى الآن لاستهداف الحاج في بلده قبل شروعه في النسك ولو ارتقى أداء التوعية إلى هذا الهدف الطموح لتلاشت الأخطاء من الحجاج بشكل ملحوظ.