هلم يا قلمي لنجمع ما نستطيع من الكلمات والجمل لنصف مدى حزننا وعمق جراحنا، فوالله ما اعتصر الألم قلوبنا بحجم ما فعل خبر وفاته.
ها هي إحدى مصائب الدنيا حلت بنا ولا شيء يصبرنا غير الرضا بقضاء الله وقدره فالحياة لحظات فانية وذكريات باقية، هلم يا قلم لنكتب عن شخص أحدث في قلوبنا ذكريات تأبى أن تنضب في صفحات الذاكرة بل تتجدد وتستمر مما يدفعنا للترحم عليه في كل حين وحين.
جدي صالح يقف القلب حائراً أمام الكم الهائل من المشاعر العاطفية التي لا يمكن تصنيفها ضمن عناوين الحب،التقدير،الوداع، الألم.. فقلمي لا يجسر على كتابة ما يجول بخاطري وما يكنه قلبي من المشاعر والأحاسيس التي أضمد بها جراحنا لفقدانه وأرثي بها أنفسنا لوداعه وأهدي بها جزعنا لفراقه فالحديث عن فقيدنا أشبه برش الملح على الجراح .
نعم ها هي دائرة القضاء والقدر تختم حياته وتدخله ضمن قائمة العظماء الذين فارقوا الحياة بصمت ولم يعد لهم صوت مسموع بعد اليوم.. ولاشيء سوى ذكرى عبقة تتخلل أحاديثنا عنهم وعن سابق عهدهم... ودّعنا ذلك الرجل العظيم فجر يوم الاثنين الماضي بقلوب يعتصرها الألم وعبرات خانقة وجرح لا يبرأ سريعاً.. خبر هز قلوبنا وأحدث فيها الحزن الأبدي الذي تسجل في ذلك اليوم 17-11-1431هـ وأصبح كالهم الجاثم على صدورنا جدي صالح بن نافع الفضلية، غيابه وزوال صوته كمثل داء عضال ينخر في أفئدتنا.. لطالما داعب الصغار كثيراً وتودد للشباب كثيراً ودلل أحفاده كثيراً ذلك الرجل بصفاته وخلقه، الجزل، المعطاء، الرحوم, الرؤوم.. لا ينبس أبداً بما يؤلمه، لا يشكو ولا يعبس.. لم يعد بمقدوري طبع قبلة احترام على رأسه ولا أخذ عدة ضربات عتب من عصاه، ولن يطلب مني رفع صوتي حتى يتمكن من سماعي، ولا تقريب الأشياء من عينيه ليرى بوضوح، لن أرى ذلك السن الذهبي اللامع في ثغره حين يبتسم، لن ولن.. كم أفتقده وتعليقاته اللطيفة الطريفة، أفتقد حسن ظنه وبراءته فكم خدعناه بليال العيد بالتحايل عليه وأخذ العيدية مرتين وهو يتظاهر بالنسيان ويخفي ابتسامة رحمة وعطف لأحفاده.. وكم اصطحبنا معه لرحلة برية فريدة من نوعها يشرب معنا الغازيات ويأكل الحلويات ويبادلنا الضحك والمزاح، لم يكن جدّاً ذا وقار وحسب بل كان جدّاً وصديقاً بروح شبابية.. يحكي لنا حكاياته ويضحكنا بتعليقاته, لا يتردد في توبيخنا عند الخطأ، ولا يخلو حديثه من النصح، كم أفتقد جلوسنا حوله وإنصاتنا لحديثه ولكن الآن لا يبقى لنا سوى صدى صوته يتردد حولنا وفي داخلنا فقد توفاه الله على فراش المرض فليس وحده من تعب ومرض بل أصابنا وأصاب أحبته داء الحزن والقلق اللذين لازمانا طوال فترة بقائه في العناية الطبية، وأسأل الله أن يكون قد اختاره ليكون برعايته وحفظه وجواره الذي هو خير من الدنيا وما فيها.
إلهي كيف لنا أن نقنع قلوبنا بفراقه ونصبر أنفسنا على وداعه.. إلهي ألهمنا الصبر وأجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.. إلهي أكرم نزله عندك فمثله لا تسعه قصور الدنيا ولا جاهها.. إلهي اقبله عندك وارحمه رحمة واسعة فأنت رحمن السماوات والأرض ورحيمهما.. واجبر قلوبنا على الصبر فالنفس تأبى قبول رحيله.
إلى جنات الخلد يا جدي.
نورة بنت مسلط بن ملافخ - حفيدتك