د. سعد بن محمد السعد
أصدر الشيخ محمد بن عبدالعزيز الفايز القاضي بالمحكمة العامة في الرياض كتاباً قيّماً بعنوان (تقنين الأحكام القضائية) أثنى عليه معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين، وأثار معاليه من خلاله بعض التساؤلات، كما أيد رأي المؤلف في التقنين - وإن ذكر ما يعترض ذلك الرأي من صعوبات - وذلك في تقريظ معاليه للكتاب.
وقد بيّن المؤلف في مقدمة الكتاب أهمية القضاء بقوله (وإذا أردت النظر في استقامة أمة وقوتها فانظر قضاءها، فإن استقام استقام سائر شأنها، وإن فسد كانت لغيره أفسد)، وهذه كلمات غاية في الصحة والنفاسة.
وكذلك بيّن المؤلف في المقدمة ما دعاه إلى تأليف كتابه، وهو: كثرة الحديث عن تقنين أحكام الفقه القضائية (المعاملات والأحوال الشخصية والجنايات) وإلزام القضاة بالحكم بها، وتناول بعض الباحثين بالدرس والعرض لها بين مؤيد ومانع.
وقد اشتملت خطة المؤلف في بحثه على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة. ففي الفصل الأول بحث تاريخ القوانين بعامة، ثم في الدول العربية، ومحاولات تقنين الفقه الإسلامي عبر مجلة الأحكام العدلية ثم المحاولات والجهود اللاحقة لذلك.
ثم تطرق في الفصل الثاني إلى خلاف أهل العلم في مسألة التقنين وحجج القائلين بالتقنين، والمانعين منه والرد عليها، وأفرد بحثاً في مسألة إلزام الحاكم بقول، وتعرض لمسألة إلزام المقلد بقول، ثم جواز ذلك، ثم منعه.
وقام بالترجيح معملاً للأدلة وجامعاً بين أقوال أهل العلم (مما تظهر به المصلحة، ويصح به أمر الناس). وتطرق فضيلة المؤلف بعد ذلك إلى بعض الملحوظات المهمة مثل:
- اعتراف القانونيين بتبعية التقنيات العربية لغيرها، وكمال الشريعة الإسلامية، وطريقة فقهاء العالم العربي في أسلمة مواد التقنين، وملحوظة عامة على التقنيات العربية، وسبب وجود التقنيات أو القوانين في الدول الإسلامية. ويجيب عن سؤال مهم، هو: «هل الاختلاف بين أحكام القضاة المتشابهة وربما المتماثلة يدعو للتقنين الملزم أم يفرضه»؟!
ثم يتبع ذلك بالحديث عن التقنين والفقه والاجتهاد ثم السوابق القضائية.
ويبرز المؤلف رأيه في بحثه القيّم هذا بشجاعة؛ حيث يتحدث عن النظام القضائي الأصلح، وهو ما اتفق معه فيه معالي الشيخ صالح الحصين، وفي هذا الشأن يقول المؤلف (فإذا كان الوضع القضائي السائد في السعودية تحديداً بعدم وجود مرجعية موضوعية غير مُرْضٍ، والتقنين اللازم غير مُرْضٍ، ونظام السوابق القضائية غير مُرْضٍ هو الآخر فما هي الوجهة الصحيحة التي تحمل المصلحة؟!).
وللجواب عن هذا التساؤل هناك بعض المقدمات التي ذكرها في ص136 وما بعدها.
ثم يقرر رأيه بقوله: (ولذا فالذي يظهر أن النظام القضائي الأصلح هو الآتي:
1- أن يكون هناك تقنين للأحكام على هيئة قواعد عامة ومواد تفصيلية.
2- أن يكون هذا التقنين ملزماً للقضاة في درجات السلك الوظيفي كافة.. إلى آخر ما ذكره فضيلته.
ثم يقول: فهذا النظام يجمع أكثر محاسن التقنين، ويدفع أكثر عيوبه، ويقفل السوابق القضائية؛ فهو نظام قضائي مكتوب وواضح بين الناس، عليه تعاملاتهم، ويعرّف الناس بحقوقهم، ويسلم القاضي من الحكم بخلاف اعتقاده إلى جانب مصالح أخرى).
ويعرج على الحديث عن منهج التقنين وسماته وآلية صياغة التقنين، ولجنة مراجعة التقنين..
وبعد: فهذا البحث الجيد جدير بالتمعن وبالدراسة. وبالله التوفيق.