تعيدني وفاة معالي الدكتور محمد عبده يماني إلى ذلك اليوم الذي اتصل بي من مكتبه - ومن الطبيعي أن يكون قد اتصل ببعض الزملاء - يودعنا ويخبرنا بأن أمراً ملكياً سوف يُذاع بعد ساعات قليلة ليُعلِن عن إعفائه من عمله بوصفه وزيراً للإعلام وتعيين الفريق علي الشاعر خلفاً له.
***
كان هادئاً وهو يتحدث، ممتثلاً للأمر الملكي برحابة صدر، ولم يظهر لي خلال صوته أي تأثر أو شعور بالألم لأنه سيفقد موقعاً مهماً كان يعطيه الفرصة لخدمة وطنه على النحو الذي شهد الإعلام في فترته الكثير من الإنجازات.
***
وفي مساء ذلك اليوم كنت في منزله بالرياض ضمن مجموعة كبيرة من الوزراء والوجهاء والإعلاميين، وكان ليلتها كعادته يتحدث ويناقش ويداعب كما لو أن أمراً ملكياً قد صدر بتعيينه وزيراً وليس بإعفائه من العمل بعد ثماني سنوات من عمله وزيراً للإعلام.
***
وفيما بعد، وحين أصبح مواطناً بلا عمل رسمي بالحكومة، كان الراحل الكبير صاحب حضور اجتماعي متميز، ونشاط فكري متجدد، وصاحب مبادرات إنسانية لا يقوم بها إلا من يتمتع بمثل ما كان يتمتع به هذا الفقيد من صفات أهَّلته لهذا العمل كما لو أنه لا يزال على رأس الهرم في وزارة الإعلام.
***
بقي محمد عبده يماني لصيقاً بالملك وولي العهد والنائب الثاني، ومع كل أصحاب السمو وأصحاب الفضيلة والأدباء والإعلاميين ووجوه المجتمع، يقدم تزكياته ومساعداته لمن يحتاج إليها، ويتعاون مع الجميع في نشر ثقافة التسامح والتعاون والبر وخدمة مجتمعه في كل الميادين؛ ما أكسبه محبة الناس وتقديرهم لمواقفه.
***
لقد خدم أبو ياسر الوطن والمواطن في أكثر من موقع، أستاذ جامعة ووكيل وزارة ومدير جامعة وأخيراً وزيراً، وبقي طيلة عمله بالدولة أميناً على كل عمل أُسند إليه، ونزيهاً في تعامله مع المال العام، وصاحب مبادرات في تطوير آلية العمل وفتح آفاق جديدة للإبداع فيه.
***
ومن المصادفة أن يبعث إليَّ بآخر مقال كتبه قبل يوم من وفاته، فإذا به ينتقل إلى رحمة الله قبل أن يطلع عليه بعد نشره اليوم في صحيفة الجزيرة بعنوان: «خادم الحرمين.. والعراق.. وعمل صالح»، وهو واحد من المقالات الكثيرة التي كتبها مؤيداً لسياسة الدولة ومدافعاً عنها حتى وهو خارج العمل الرسمي الذي كان في فترة امتدت لسنوات جزءاً من منظومته.
***
لقد حزنت لوفاته؛ إذ جاءت مفاجئة لنا جميعاً، وفي فترة زمنية قصيرة حالت دون نجاح الأطباء في إنقاذه من الحالة الصحية الصعبة التي تعرض لها. رحم الله فقيد الوطن الدكتور محمد عبده يماني، الذي سيبقى بأعماله ومواقفه وإنجازاته في ذواكرنا جميعاً.