من ضمن التعليقات والاحتجاجات على ما يسمى بفتوى الكاشيرات (موظفات المحاسبة) هناك رسم كاريكاتوري يختصر الموضوع بكامله بالصفحة الأخيرة من جريدة الرياض الخميس 27-11-1431هـ رسم كاريكاتوري بديع للرسام ربيع يلخص ما سوف تؤول إليه كل المعارك بين محاولات المرأة فتح باب الكسب الشريف لها كامرأة أسوة بالرجل كرجل، وبين من يريدون إبقاء الباب مغلقاً يتحكمون من خلاله بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة لأطول فترة ممكنة من الزمن، سواءً قصدوا ذلك أم لم يقصدوا.
في يمين الرسم يظهر رجل ضخم تقليدي المظهر يحاول بيده اليمنى صد إمرأة سعودية تقليدية المظهر أيضاً من التقدم إلى الأمام. المرأة تبدو في الرسم أصغر كثيراً من الرجل لكنها مربوعة وهجومية وحيث أنها لا تستطيع العبور لا من يمينه ولا من شماله، أي لا تستطيع العبور إلا من خلاله فإن هذا ما يحصل وبطريقة غير تقليدية. المرأة التي تتأبط الملف العلاقي الأخضر المعهود تقتحم هذا الرجل وعيناها تشعان تصميماً وغضباً فإذا به ينفلق من وسطه وتتطاير الحجارة منه ومن حواليه محدثة بداخله فجوة ضخمة يبدو خلالها كأنه كائن صخري، مما اضطر المرأة الباحثة عن مصدر رزقها إلى الاقتحام والاختراق بالتصميم متجهة نحو سهم في لوحة زرقاء يوضح الاتجاه إلى عمل شريف.
هذه هي الحقيقة كما يختزلها هذا الرسم الكرتوني الرائع وهذا ما ستؤول إليه هذه الأمور في النهاية. المثل العامي عندنا يقول: (العطشان يكسر الحوض)، أي إن الكائن الحي إذا أمضه العطش لن يستسلم هكذا للموت دون محاولة، والمحاولة سوف تكون بكل ما تبقى لديه من إمكانيات وبقايا رمق، فإما أن يصل إلى الماء ولو بكسر الحوض ليتسرب منه شيء من الماء إليه أو يموت بطريقة كفاحية منطقية. إنني متأكد من أن الأمور في محاولات فتح الباب أمام المرأة السعودية للعمل الشريف والإنفكاك من امتهانها من قبل الرجال (وهم عادة من داخل الأسرة) سوف تنتهي بانتصار المرأة ضد الظلم الواقع عليها.. لماذا ؟. ذلك لأن الممانعة تستند إلى التضييق المبني على افتراضات لا يقوم على وجودها دليل وليس لها تأصيل مقنع يتم إطلاع الناس عليه وشرحه لهم يستنير بممارسات السلف الصالح رجالا ً ونساءً في طلب الرزق.
قيل للممانعين نريد للمرأة أن تبيع وتشتري فقط مع المرأة وهذه هي أسبابنا فتمنعوا واستطاعوا أن يمنعوا، وقيل لهم نريد للمرأة الكبيرة والمطلقة وأم الأولاد والأرملة أن تقود السيارة لضروراتها القصوى لكيلا تضطر إلى الركوب مع رجل مجهول فتمنعوا ومنعوا، وقيل لهم نريد للمرأة محاميات يدافعن عنهن في المحاكم لما لقضاياهن الأنثوية من خصوصيات لا يستطعن البوح بها للمحامين الرجال فقالوا (لعم) أي ليس لا وليس نعم، والموضوع معطل. هكذا تسير الأمور عندنا في شتى قضايا المرأة الحقوقية والمعيشية، الرجل يتحكم بها وبمصادر رزقها ويرض كرامتها رضاً لا ترضى به البهائم.
إن الفكر الذي يفجع ويجبه المجتمع بإدعائه هو الذي يحمي المجتمع السعودي من تكاثر اللقطاء وإلا لتعب معهم هو نفس الفكر الذي لا يريد للمرأة أن تعمل إلا من خلاله وبشروطه. هكذا كان يفعل أمثال زياد بن أبيه حين أخذوا البريء بالمذنب والمحسن بالمسيء والشريف بالدنيء.
ترى هل دار في عقول هؤلاء وفي عقول كل الرجال الشرفاء على اختلاف مواقفهم بصيص من احتمال أن المرأة قبل أن تموت جوعاً قد تضطر إلى أن تأكل وتؤكّل أولادها بثدييها في الظلام والزوايا البعيدة عن الأعين. أليس هذا هو أقصر الطرق إلى إمتلاء المجتمع باللقطاء وأبناء الحرام وليس العمل الشريف تحت سمع وبصر المجتمع بكامله وكاميرات المراقبة؟.
هل ثمة عقول شرعية مستنيرة تفتح للمرأة طريقاً آخر غير محفوف بمخاطر التمرد والاقتحام؟. إن الآمال معقودة على مثل هذه العقول بعد الله وإنهم لقادمون.