جالست أحد الأيام مجموعة من الفتيات اللاتي أتوسم فيهن ولو بعض التعقل والاتزان والواقعية، وكنت أتكلم بما يشبه الحماس قائلة: ماذا يفعل الشاب الذي في مقتبل حياته حينما يتزوج وراتبه في حدود خمسة آلاف ريال وهو متوسط رواتب هذه الأيام، حينما تطالبه زوجته وهي طبعاً من بنات اليوم بحقيبة ماركة عالمية بعشرة أو حتى خمسة آلاف ريال على سبيل المثال، فكم في راتبه من مبلغ خمسة آلاف ريال؟!
فأجبنني بصوت واحد تقريباً: وما الذي حدا به أن يتزوج إذا كان لن يستطيع تلبية رغبات زوجته؟ فصعقت لغرابة الإجابة التي لم أكن أتوقعها بهذا المستوى أبداً، ليس ذلك فحسب.. بل بدلاً من أن أقنعهن برأيي حاولن هن باستماتة عجيبة أن يجذبنني لصفهن، فقلت لهن مستغربة: هل الحياة مجرد مظاهر كاذبة فقط؟ أليس أكبر أهداف الزواج هو الاستقرار والإعفاف وتكوين أسرة صالحة؟
فقالت لي إحداهن: إنها تتمنى الزواج برجل ثري حتى لو كان طاعناً في السن، والأخرى أتبعت القول بأنها تفضل الزواج برجل واسع الثراء حتى لو كان ذا عاهة، على الارتباط بشاب فقير أو حتى شبه فقير! فلماذا هذا السعار في المظاهر المادية الخادعة الغريبة على مجتمعنا الذي كان في الماضي يهمه مجرد الستر واتباع تعاليم الدين الوسطية في جميع الأمور الحياتية؟
لقد كانت الماركات الأجنبية في السابق معدودة محدودة، وكان الناس يشترونها بسبب أنها تمكث معهم عدة سنوات ويحللون قيمتها، حيث يشتريها من يشتريها لأنها تستحمل كثرة الاستخدام، أما بنات اليوم - هداهن الله - فصرن يعتبرن شراء الماركات الغالية أمراً عادياً متكرراً في السنة الواحدة عدة مرات، سواء أكانت حقائب أم ساعات أم جوالات أم أجهزة المحمول، رغم أن سعرها يصل للألوف المؤلفة.
إلى حد أن إحدى الفتيات حينما دندن هاتف والدتها وأنا جالسة، قالت لي: لا مؤاخذة يا خالتي لأن جوال أمي يفشل، رغم أني لم أكن منتبهة له أساساً، أما المراهقة الأخرى فحينما دعا لها والدها قائلاً: اللهم ارزقها الزوج الصالح، ردت عليه مسرعة: الذي فلوسه كثيرة، وتلك الأم التي أقنعتها بناتها بضرورة شراء حقيبة ماركة ثمينة، وحينما بدأ العام الدراسي الآخر، وتأبطتها الأم قبل خروجها للعمل قالت لها ابنتها: يا أمي لا تخجلينا بهذه الشنطة القديمة! رغم أنها لا يوجد عليها أي مظهر من مظاهر القدم، وغير ذلك من الأمثلة ما لا يتسع المجال لها.
فهل أضحت حياتنا استهلاكية فقط ؟ ومظاهر خادعة فحسب؟ ألا تُوجد اهتمامات أخرى سواء أكانت دينية أم دنيوية؟ وهل الحياة عموماً والزوجية خصوصاً مجرد نهم مادي ولهاث شرائي؟ إلى حد أن هناك العديد من الناس يرفضون الشاب الصالح المتخرج المتوظف لمجرد أنه لا يلعب بالمادة لعباً يدل على فاحش الثراء! مما فاقم حجم العنوسة في مجتمعنا؟ ولماذا صار الأهل يخضعون لأبنائهم وبناتهم خضوعاً أعمى لمجرد التفاخر المحرم دينياً، والممقوت في المجتمعات العملية التي تطمح نحو الرقي والتقدم الحق؟ بالتأكيد أنا لا أعني من مقالتي هذه أن تقيّد المرأة ذاتها بأغلال الزهد والحرمان والتقشف، وأن تحرم نفسها من المتعة المباحة، لأن الله تعالى جميل يحب الجمال في المظهر والمخبر، في حدود الاستطاعة، ومع أداء الواجبات المادية التي فرضها الله تعالى علينا من أجل التكافل الاجتماعي، ولكن الذي أعنيه هنا هو أن نربي الأجيال الصاعدة التربية الوسطية لا أن يربونا هم التربية المتطرفة الموغلة في التفاهة والسطحية.