قد يعتقد البعض أن سليمان الراجحي مثلاً ولد فوجد في رصيده مليار ريال, وأن هارلاند ساندرز ابتكر الدجاج المقلي فتهافتت المطاعم لشراء فكرته وتبنيها, وأن دونالد ترامب ولد وفي جيبه صك عقار لأحد أكبر الأراضي في منطقة منهاتن في نيويورك, وأن الرئيس رفيق الحريري كان ينتمي إلى عائلة سياسة ثرية وعريقة تتوارث المناصب والكراسي الساخنة جيلاً بعد جيل, وأن عبد الرحمن الجريسي بدأ حياته برأس مال ضخم فرض وجوده واسمه في عالم المال والأعمال, وأن فكرة محرك البحث قوقل أو منتجات (آبل) أو شركة (ايكيا) للأثاث المنزلي انطلقت من عقول رجال أعمال فاحشي الثراء فأشاروا على موظفيهم بتنفيذ الفكرة بأسرع وقت فكتب لها النجاح الفائق والسهل.
وأن محمد إبراهيم التويجري عاش ولداً مدللاً لأب ثري بعثه لإكمال دراسته على حسابه في أرقى جامعات العالم ليعود ويجد منصب مدير عام المنظمة العربية للتنمية بانتظاره.
ربما.. ولكن الواقع له كلمة أخرى مختلفة تقول: إن معظم تلك الأسماء اللامعة في مجلاتها ومجتمعاتها قد بدؤوا من تحت الصفر وليس من الصفر نفسه, وكان الصبر والسهر والجهد والكد وقوة الإرادة لتحقيق الحلم رفيقهم الدائم.
فرجل الأعمال الشهير سليمان الراجحي مثلاً كان لا يملك إلا شهادة ابتدائية فعمل حمالاً بريال واحد فقط لا غير, ثم عمل (رمّاد) يجلب الرماد من المنازل ليخلطه مع الطين وتبنى به المساجد بعشرة ريالات وكان أصحاب بعض المنازل يرفضون إعطاءه الرماد إلا بعد أن يكنس لهم المطابخ, كما أن هارلاند ساندرز الرجل العجوز المرسوم على لوحات مطاعم (كينتاكي) وصاحب الوصفة الشهية للدجاج المقلي, لم يكن نجاحه ضربة حظ إنما رحلة طويلة مع المعاناة والانتظار، فهو من اضطر لقسوة ظروف عائلته لتعلم الطبخ وكان يتقاضى راتباً من الضمان الاجتماعي بعد تكالب الديون عليه, ولكن ورغم نفسيته المحطمة ومعنوياته المنهارة, رفض الاستسلام وقال لنفسه: ليس أمامك إلا شيء واحد يمكنك النجاح فيه (الدجاج المقلي) وهذا ما ستفعله طيلة حياتك, فراح يبحث عن مشتري لوصفته بقلي الدجاج رغم كبر سنه وإصابته بداء المفاصل المزمن, وكان ينام في سيارته ليوفر أجرة الفندق ويحلق ذقنه في محطات الوقود إلى أن فرجت له واستطاع أن يقنع خمسة مطاعم بفكرته حتى عندما وصل السبعين بلغ عدد المطاعم في الولايات المتحدة 200 وهو اليوم في كل حي تقريباً في مدينة الرياض وأغلب مدن العالم.
ولم يكن النجاح حليف (دونالد ترامب) الدائم بل إنه قد أوشك مرة على إشهار إفلاسه وسط سخرية وانتقاد الكثيرين منه على قاعدة (إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه) ولكن بإعجاز استطاع أن يخرج من أزمته والصعود من القاع إلى القمة فألف حينها كتاب يلخص تلك المرحلة يحمل عنوان (فن العودة).
ترامب اليوم رغم بدايته البسيطة كأي شاب يعمل والده في تأجير البيوت المتوسطة استطاع أن يؤسس إمبراطورية عقارية كونية تمتد من الولايات المتحدة إلى أوربا حتى تصل إلى دبي.
الشهيد رفيق الحريري بدأ محاسباً بسيطاً ثم أصبح رئيس وزراء غيّر حادث اغتياله وجه الإقليم والعالم. ورجل الأعمال الشهير عبدالرحمن الجريسي ذلك اليتيم البسيط الذي كان يعمل عند أحد التجار بمبلغ 20 ريالاً هو اليوم الرجل الذي صنع شركاته المتنوعة الخاصة وجعل المؤسسات الاقتصادية والعقارية تتنافس لينظم إليها. كما أن ستيف جوبز مؤسس وصاحب شركة (آبل) نام في محطات مترو الأنفاق وكان لا يجد ما يأكله في سبيل تأسيس شركته (الحلم), وشركة قوقل التي تعتبر من أضخم الشركات في المعمورة بدأت بعدد موظفين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة في كراج خلفي, وانغفار كامبرد كان يبيع الكبريت والخردوات حتى أسس شركته الكبرى للأثاث المنزلي (ايكيا) من لا يعرفها؟
كما أن محمد التويجري كانت له قصة مع الكفاح، حيث أجبرته الظروف على العمل مبكراً، فبدأ في مستودع للسكك الحديدية ثم شغل وظيفة مراسل في أحد البنوك يوصل الأوراق بين الإدارات, ثم جاهد لاستكمال دراسته في الخارج بعد أن ادخر بعضاً من الأموال حتى حصل بشرف واستحقاق على شهادة الدكتوراه حتى عيّن مديراً للمنظمة العربية للتمنية الإدارية يعمل تحته عشرات الموظفين العرب وغيرهم الكثير من عظماء العصر الحديث مثل أوبرا ونفري وطه حسين وهيلين كيلر وابن محفوظ وعبد اللطيف جميل.
قد يكون الكلام عن الكفاح والصبر والجهد أسهل من تحقيقه، ولكن كل ما أعرفه أن هؤلاء عانوا ظروفاً أصعب من التي نعيش فيها بكثير وواجهوا مشقات قد لا يتحملها أي إنسان فكانوا أولو عزم وإرادة حيث لم ينتقدوا واقعهم وظروفهم بل سخروها لهم ولم ينتهزوا الفرص بل خلقوها, ولم ينتظروا الراتب آخر الشهر بل انطلقوا يلحقوا أحلامهم فلم يجعلوها فخراً لهم فحسب, بل مالاً وفيراً ومصدر رزق فكان لهم المجد والثروة.
نبض الضمير:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام