قيل قديماً إن مؤشرات تخلف الأمم ثلاثة: الفقر والجهل والمرض، وقد انضم إلى هذا الثالوث مؤشران آخران، يختلفان مضموناً، ويتفقان نتيجة وهما وباءا المخدرات والإرهاب!
وهناك في ظني من التداخل والتفاعل بين أطراف هذا (الخاموس) الرهيب ما يجعل أحدَها أو بعضَها سبباً، والبعض الآخر نتيجة، وآية ذلك أن الفقر والجهل أو هما معاً قد يقودان ضحيتهما إلى سراديب الإرهاب أو أوكار المخدرات، أو الاثنين معاً!
إن الإرهاب، ومثله المخدرات، وجهان لعملة واحدة.. ورغم ذلك، فلكل منهما (دولة) ورجال، ولكل منهما تنظيم و(كوادر) ومؤسسات وشبكات مال واتصال، رأسية وأفقية.. تخترق الكثير من حواجز الردع الرديئة، وتتجاوز مثل ذلك هياكل الذمم الرخيصة، عبوراً فوق جسور يتقاسمها الابتزاز النفسي حيناً، والعوز المادي أغلب الأحيان!
الإرهاب والمخدرات يستهدفان الإنسان البريء، تسيّرهما أحياناً شهوةُ المال أو التراكمات (المؤدلجة) في النفوس المريضة، وقد باتا شغل العالم الشاغل.. وهمه الذي لا يحول ولا يزول، وهما في تقديري أشدّ بأساً من الحرب.. لأن هذه وإن طالتْ أمداً أو اتسعتْ رقعة، أو استفحلت ضراوة وضرراً، لابد أن تضع أوزارها يوماً من الأيام، فينتصر فيها من ينتصر ويهزم فيها من يهزم، وقد تنتهي بلا نصر ولا هزيمة، لكنها تضع أوزارها على نحو أو آخر لتغدو بعد ذلك حدثاً يرويه المؤرخون، وتستوعبه الذكريات!
لا بل إن الحرب رغم ضراوتها، ورغم ما قد يقترن بها من آثام جانبية ترتكب باسمها أو بسببها، لا تخلو أحياناً من موقف يُحقّ حقاً أو يدحض باطلاً، وقد تكون ضرورة لتقرير أمر لا يُحسم إلا بالقوة متى هُزمتْ سلطة العقل وقهرت سطوة الحلم!
أما حرب المخدرات.. وما يصاحبها من صور الإرهاب البشع، فهي سجالٌ لا تُعرف له بدايةٌ ولا نهاية، بل لا يعترف مقترفوه ببداية له أو نهاية، لأنه يتكئ على شهوة المال من جهة، ومحنة الإدمان من جهة أخرى، وهذا أمر لسوء حظ الأسوياء من البشر، تسيّره استمرارية الرغبة لدى المدمن في إشباع غريزة (الكيف) حتى ولو أتى على كل ذرة من ماله، حتى لو دمّر كلَّ خلية من عقله، وحتى لو اضطرته محنة الإدمان إلى (مواجهة) مفتوحة مع الصاحب والولي والخليل.. وهو راغب في افتداء لحظة إدمان واحدة قد تساوي عمره، خصوصاً حين يعزّ عليه المال، وتتقطع به الأسباب!
إذاً، فمواجهة هذا السجال المريع.. مع عدوِّي الإنسانية اللدودين، الإرهاب والمخدرات.. تتطلب تكريس المزيد من الدراسة بحثاً عن أسباب استمرارهما، واستمراء بعض العناصر المريضة لهما، والتعرف على (الطفيليات) التي تمكنهما من الاستشراء والانتشار عبثاً بالعقول والأرواح والنفوس!