يخطئ كثيرا من يعتقد أن إبداء الرأي في بعض الفتاوى يعني عدم الاحترام لعلمائنا الأفاضل، فنحن نكن لهم وافر التقدير لمكانتهم العلمية، لكننا في نفس الوقت لا نعتقد أن ما يخرجون به من آراء فقهية هو أمر الله عز وجل القطعي في المسألة العامة، لكنه اجتهاد فقهي في مسألة عامة، وما ورد فيه نص قطعي لا يحتاج إلى فتوى..
بعبارة أخرى لابد من قراءة نقدية لفكر الإفتاء في المنهج السلفي في العصر الحديث، ولتكن تلك المراجعة من داخل البيت أو من أحد علمائها المتنورين بالرؤية النقدية، لأن الإشكالية التي وقعت فيها اللجنة الدائمة أنها تصدر فتاوى من دون النظر لمصالح ومنافع الناس، تصدرها وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، وهو ما جعل كثير من الفتاوى يتجاوزها الزمن..
على سبيل المثال الفتوى الأخيرة التي تحرم عمل المرأة كمحاسبة في الأسواق المركزية صدرت من دون النظر إلى جذور المسألة، فكثير من النساء يبحثن في القطاع الخاص عن دخل تستر به حاجاتها الدنيوية في ظل عدم توفر وظائف حكومية، ومن ناحية أخرى صدرت الفتوى برغم من وجود فتوى أخرى برقم (13-17) من اللجنة الدائمة تجيز عملها في بيع البخور والعطور في المهرجانات والأسواق، إذا كانت ساترة لبدنها، وقد تناقلتها مواقع الجرائد الورقية والإلكترونية، ولم أقرأ عن نفي لها من اللجنة الدائمة..، وإن صحت فلماذا إذن التناقض..!
مايجري في العصر الحالي يخالف مبدأ التطور، فقد بدأ الإسلام مكملاً ومتطوراً عما سبقه من الأديان، لكن في العصور المتأخرة تضاعفت أرقام الأحكام والفتاوى وتعقدت الحياة، ولأسباب منها الصراع على الشرعية كثر المفتون، وبدأ صراع الفتاوى، وكأن ميدان التنافس هو التشدد، وهو ما يخالف ما كان يحدث في القرون الأولى، وعلى سبيل المثال كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجتهد في وجود النص، ويتقرب في اجتهاداته من مصالح الناس..
كذلك كان الموقف من المرأة في تاريخ المسلمين أكثر تساهلاً في الماضي من الوقت الحاضر، فقد أخذ الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب رأي إجماع أهل العصر بهذا الاجتهاد بناءً على الأكثرية، لأن تكون المرأة حاكمًا في كل شيء ومن دون قيود، وذلك قياساًَ على الفتيا، واعتباراً من الإجماع الحاصل على جواز تولي المرأة مهمة الإفتاء الديني ورواية الحديث والتبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
حسب اطلاعي يرى الإمام أحمد بن حنبل جواز استئجار المرأة للعمل في ما يعرف بالإيجارة الخاصة، والأجير هو من يعمل لدى طرف مدة من الزمن، والسعودية تعتمد في غالبية تشريعاتها المذهب الحنبلي..، فلماذا إذن التشدد في الأمر، وهو ما يعيدني إلى المحور الأول، وهو الدعوة إلى قراءة نقدية من متخصصين في هذا الشأن، والسبب أننا بمختلف التيارات، نؤمن جازمين أن ديننا العظيم لا يمكن أن يكون حجر عثرة في وجه التطور، بل هو المحرض لنا في المضي قدماُ في طريق الحضارة، لذلك ليس في مصلحة المجتمع أن يكون هناك تصادم بين الإفتاء ومصالح الناس..
أدعو للنظر جدياً في ذلك العداء المتنامي ضد السلفية في بعض الأقطار المجاورة، إذ لم تصدق عيناي ما قرأته عن ندوة تم عقدها في القاهرة مؤخراً، فقد كان عداءها سافر ضد الفتاوى السلفية، وما يحدث الآن في تونس ومصر والمغرب والجزائر فيه مواقف عدائية حازمة ضد تداول الفتاوى السلفية، لذلك أكرر الدعوة لعقد الندوات التي فيها مراجعة نقدية لما يحدث..
كنت دائماً ما أحلم أن أسمع أو أقرأ يوماً ما من اللجنة الدائمة نصائح ووعظ تحث فيها على أهمية مكافحة الفساد والإصلاح الإداري وضرورة الشفافية وكيفية معالجة البطالة في المجتمع، وقبل ذلك كيف نتحول من ثقافة الكراهية إلى خطاب إنساني يجمع الناس على مبادئ الأخوة والمساواة والعدالة..