أعترف بأنني كنت من مؤيدي سياسة الحد من استقدام العمالة الأجنبية التي طُبّقت خلال السنوات الخمس الماضية، مقتنعاً بالمسوغات التي قيلت في حينها من أن في ذلك مصلحة وطنية عليا، وأنها ستؤدي إلى تقليص أعداد العمالة السائبة، وستجبر القطاع الخاص على توظيف السعوديين مما سيقلص أعداد العاطلين السعوديين، ويؤدي إلى توطين الوظائف، وفي الوقت ذاته ستحد من المليارات من الريالات التي تحولها العمالة الأجنبية إلى الخارج.
المفارقة أن هذه السياسة لم تنجح في تقليص عدد العاطلين من السعوديين ذكوراً وإناثاً، كما أنها لم تفلح في الحد من استقدام العمالة الأجنبية بدليل أن التقارير الرسمية تفيد بأن عدد العمال الأجانب في تزايد مستمر؛ حيث تجاوز عددهم سبعة ملايين، منهم من هو نظامي مسجَّل في سجل التأمينات الاجتماعية، ومنهم من هو نظامي غير مسجَّل، وهناك ستمائة ألف عامل غير نظامي في منطقة مكة المكرمة وحدها، حسب تصريح معالي وزير العمل الأخير.
صحيح أن زيادة عدد العاطلين السعوديين تُردُّ إلى النمو السكاني وإلى التركيبة السكانية التي تفوق فيها أعداد مَنْ هم دون سن الثامنة عشرة أعداد مَنْ هم فوقها، إلا أن سياسة الاستقدام أفرزت سلبيات جديدة لم تكن موجودة؛ فها هي المنشآت الصغيرة المنتشرة في قرى ومدن المملكة تتآكل وتندثر ويتحول أصحابها إلى عاطلين بسبب حرمانهم من استقدام أيد عاملة رخيصة تساعدهم على تشغيل منشآتهم ولا تشكّل سوى رقم هامشي من المليوني عامل أجنبي الذين تم استقدامهم خلال السنة الماضية، وجُلّ وظائفهم مما لا يُقبل عليه كثير من المواطنين.
كما أفرزت هذه السياسة ظاهرة «خطف العمالة الأجنبية» التي تذكرني بما كان يحدث في التسعينيات من القرن الماضي بظاهرة «خطف الوكالات التجارية»؛ فالتشدد في منح تأشيرات الاستقدام أدى ببعض المنشآت إلى خطف ما عند غيرها من عمالة عن طريق نقل الكفالة التي يجب تقييدها قبل أن يُلغى نظامها أو يُعدَّل.
أما المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمواطن العادي غير القادرين على الخطف فعليهم ترديد ما كان يقوله آباؤنا في مثل هذه الحالة «الشيوخ أبخص».
علم الإدارة يقول لنا إن أي سياسة لا بد لها من تقييم دوري يبقيها أو يعدلها أو يلغيها تبعاً لتوافق مخرجاتها مع أهدافها.
ولما كانت سياسة استقدام العمالة الأجنبية لم تحقق أهدافها بل أفرزت سلبيات أضرت بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تعد العمود الفقري لاقتصاديات جميع دول العالم المتقدم، فإن ذلك يجعلنا نتساءل عن جدوى الاستمرار في سياسة كهذه.
أعلم يقيناً أن الموضوع شائك ومعقَّد، وله أبعاد وطنية وذو تشعبات تتعلق بنظام الإقامة والكفالة وشروط الاستقدام، وقد أكون سطحياً في محاولة الدلو بدلوي فيه، وأن لدى وزارة العمل العديد من الدراسات المعمقة أعدتها عقول عايشت الموضوع بكل إيجابياته وسلبياته، إلا أن تساؤلي أظنه يتمتع بمشروعية طالما أن العمالة الأجنبية تزيد، والمتمتع بتأشيرات استقدامها الشركات الكبيرة، خاصة المسماة بشركات الاستثمار الأجنبي، في الوقت الذي تُحرم منها شرائح عديدة منتجة من مكونات الشعب السعودي منشآت وأفراداً.