السوق المالية السعودية سوق كسيحة معتلة بشلل نصفي وُلدت به بسبب غياب سوق السندات.
والهيئة قامت بعملية جراحية طموحة لعلاج الشلل، فأوجدت سوق السندات قبل عام ونصف تقريباً متخطية الموقف الاقتصادي الذي مارسه أرباب «الصيرفة الإسلامية» عليها آنذاك.
ومنذ ذلك الحين لم تتخذ الهيئة خطوات أخرى لعلاج مشكلة جمود سوق السندات وإحياء التعامل فيه. المجتمع السعودي لا يدرك مدى أهمية هذه السوق لجميع أفراده بلا استثناء.
فسوق السندات يكسر احتكار البنوك للودائع والتمويلات. وسوق السندات يخلق وسائل تحريك الأموال المجمدة في المجتمع لتصب في بناء الاقتصاد، كما يوفر فرصة استثمار آمنة لأموال المواطنين المُدخرة لشؤونهم الخاصة والذين لا يستطيعون حيلة ولا يجدون سبيلاً لحفظ أموالهم من ضياع قيمتها الشرائية بفعل التضخم.
فالمواطن الذي يدخر ماله لزواج أو شراء سيارة أو أرض أو تعليم ابنه لا يستطيع إدراك هدفه بسبب ارتفاع الأسعار المتوالي دون وجود عوض يعوضه عن ذلك، فينقضي عمره وهو في سباق خاسر بين معدل ادخاره وبين معدل التضخم.
فهيمنة «الصيرفة الإسلامية» عطلت أموال المواطن الضعيف والغني واحتكرتها على الحسابات البنكية والتي تستغلها البنوك - بعد دفع رسوم الهيئات الشرعية - بإقراضها بأعلى الأسعار للمواطن المستهلك والمستثمر المنتج على حد سواء.
نناشد هيئة سوق المال، والتي ترينا من نفسها كل يوم نجاحاً يتبعه فلاح، بأن تجد حلاً لإحياء سوق السندات فيدرك المواطن والمجتمع الاقتصادي الغبن والظلم اللذين مارسته البنوك والهيئات الشرعية على المجتمع بقتلها لهذه السوق.
وأعتقد لو أن هيئة سوق المال قامت بخطوات ست لهذه السوق فإنها ستتعافى من الشلل الذي تعانيه.
1 - تقسم الصكوك المتداولة الآن في السوق إلى مبالغ صغيرة من 1000- 500 ريال.
2 - تقوم هيئة سوق المال بإيجاد شركة مدعومة حكومياً تقوم بعمل صانع سوق السندات فتوفر السندات عند الطلب كما توفرها عند البيع فلا تتعطل حركة السوق على الإطلاق.
3 - توفر الهيئة نظاماً آلياً يحسب بالضبط الفوائد المستحقة عند لحظة بيع السند أو شرائه (Accrued interest) فتضيفه على عملية الشراء والبيع أوتوماتيكيا كما هو معمول به في الأسواق العالمية.
4 - تفرض الهيئة أسعار عمولة مجانية على البيع والشراء حتى يتعدى السوق فترة النقاهة.
5 - تقوم الهيئة بحملات إعلامية مكثفة تشرح آلية السوق وكيفية استخدامه ليسهل على المواطن أن يدرك بأنه لو توفر لديه مبلغ بسيط يحتاجه بعد أسبوع فإنه يمكنه إيداعه في هذه السندات وتعود عليه بالربح بدلاً من أن تصبح عاطلة، فكيف بمن عنده مبالغ كبيرة ويحتاجها بعد عام أو أكثر.
6 - إذا تأخر دخول سندات الرهن العقاري، فيوضع نظام طوارئ بأن تدخل الدولة بسنداتها لكي تمنع زيادة الأسعار الاسمية للصكوك فتضيع قيمة فوائدها، في حالة لو نشط السوق بمعدل أكبر من قدرة السندات على تلبية الطلب بسبب ندرة الصكوك.
القيام الآن بذلك هو فرصة ذهبية لبناء ثقافة سوق السندات وإقناع المواطن بأنها مستودع آمن لمدخراته، سواء صغُرت أو كبُرت.
فالصكوك المتداولة في السوق الآن لا خوف عليها من نقصان قيمتها الاسمية لأنها مرتبطة بمعدل السايبر (فالفائدة متغيرة) ولأن الشركات المُصدرة لها شركات قوية بعيدة عن مخاطر الإفلاس.
ويضاف إلى ذلك، أن الصكوك بتكيفها الشرعي الآن (وللأسف)، لا زكاة فيها.
وذنب ذلك تتحمله ذمة الهيئات الشرعية التي تعلم أن الصك ما هو إلا سند ولكن نظرتهم قد طالت الزكاة فأبطلتها في الصكوك.
وفي إحياء سوق السندات صرف للمواطنين الذين أدمنوا على البيع والشراء في سوق الأسهم بمضاربات تضر بهم وبالسوق، إلى المضاربة في سوق السندات الذي يقل فيه هامش الربح والمخاطرة بينما تنفعه هذه المضاربات.
ما قد يصعب على القارئ غير المتخصص فهمه في هذا المقال من أمور فنية تفهمه هيئة سوق المال وهي خبيرة فيه، وما سكت عنه هنا إلا لأن المقال لا يحتمل الإطالة بالشرح.