نادتني حمامة الحرم بهديلها الطروب، المحمَّل برسائل الشوق والحنين، وفي رجلها رسالة معقودة بخيط ٍأخضر.. داعبتها متلاعباً بزغب رقبتها وفتحت الخيط وفللت المطوية وكُتب فيها «مبارك عليك الحج المبرور لهذا العام».
فرأيت أعمالي منذ الولادة وحتى اللحظة تعرض كشريط سينمائي معتق..
غادرتني ثم عادت لي برداءَيْن:
الأول مطرز عليه هنيئًا لك سترجع كيوم ولادتك.
وعلى الآخر تناثرت حروف جمعتها فكانت: «أنفاسك عبادة».
اغرورقت عيناي بالدموع فلبيتها بفؤادي وجميع جوارحي، فرمقت عيناي لوحة رسمها ملك من الملائكة توحي بأن تراب مكة قد عانق تراب يثرب وأضاءت أطراف المدينتين أهلة المهاجرين والأنصار مرفرفة على رؤوسهم كتائب من الحور العين والولدان، ممتدة أبصارهم لباب الريّان ووجدت نفسي بين المصلين والداعين والملبين وكأني بالحجر الأسود قد اشتاق إلى الركن اليماني وحجر إسماعيل فاتحًا ذراعيه لنفحات دعاء الطائفين والركع السجود...
وتساقطت على رأسي قطرات مطر ملبية «لبيك ذي المعارج لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك داعياً إلى دار السلام لبيك»، مبللة رأسي بالخيرات، فذرفت عيناي دموعًا كعين متدفقة مشتاقة لسقي فسائلها...
أسألكم المعذرة وبراءة الذمة عن أي قول أو فعل أو تقصير تجاهكم فأنتم أهل الكرم كما عهدتكم دائماً.