هنا خصلة حميدة أريد أن أتناولها في هذه المقالة متجسّدة في شخصية معروفة ومرموقة في مجتمعنا الخيّر؛ خصلة بذل المعروف للآخرين.
المعروف الذي يمتد من كفِّ الأذى عن الناس إلى طلاقة المحيا.. إلى الكلمة الطيبة.. إلى السعي في حوائج الناس.. إلى فعل أنواع الخير كلها، المعروف الذي لا يجوز أن يحقر منه شيء، وفي الحديث الشريف: (لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، لا يفعل المعروف إلاّ كريم، ولا يتوانى عنه إلاّ من لا يرى نفسه للعرف أهلاً! ومن الناس من يفعل المعروف ويتبعه المنّ والأذى! ومنهم من يفعل العرف ووجهه يتهلل، كأنك تعطيه الذي أنت سائله!
(أنت الجواد بلا منٍّ ولا كدر
ولا مطال ولا وعد ولا مذل)
وأفضل المعروف ما بذل بطيب نفس وعجل ولم يلحقه المنّ والأذى، يقول عمر الفاروق رضي الله عنه: (لكل شيء شرف، وشرف المعروف تعجيله)، وأجمل المعروف ما كان يعتقد صاحبه أنه عليه واجب فلا يرى له منه فضل ولا من. المعروف أيها القراء الكرام، لا يذهب بين الله والناس، فصاحبه لابد من مكافأته:
(من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس)
وقد وجّهنا ديننا الحنيف بذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإنْ لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).
وجدت نفسي ملزمة بالعودة إلى عام 1403هـ؛ ذلك العام الذي تخرّجت فيه من المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام منتسباً بتقدير جيد، مما كان عائقاً لقبولي في جامعة الإمام منتسباً، للحصول على درجة البكالوريوس رغم محاولاتي المستميتة، عندئذ أشير عليّ بأن أتوجّه لمدير الجامعة بالنيابة آنذاك معالي الدكتور عبدالله الشبل، قابلته وشرحت له ظروفي ورغبتي الأكيدة لمواصلة دراستي في الجامعة، فاعتذر بسبب التقدير، فعدت له مباشرة في اليوم الثاني ورجوته ودعوت له وألححت في طلبي، ولكنه اعتذر مرة أخرى محتجاً بالأنظمة التي لا تتيح الفرصة لطالب الانتساب الحاصل على تقدير جيد للقبول، ثم عدت له في اليوم الثالث على التوالي ورجوته رجاء الباكي المستغيث، فقال لي مقولته التي لم يزل صداها يتردّد في مخيلتي (أين طلبك، أنت مقبل ولن أكون سبباً في ردك) فكتب على طلبي جملة (فضيلة عميد القبول والتسجيل، يقبل استثناءً في أحد أقسام كلية أصول الدين)، طرت فرحاً بذلك وكأنني حاصل على شهادة الجامعة، ولا أزال أحتفظ بخطابي لمعاليه وعليه شرحه الذي بسببه وفّقني الله في مسيرة طلب العلم الشرعي وأصبح توجيه معاليه مخطوطاً محفوظاً في مكتبتي، يطلع عليه أبنائي، أصبح ديدني ولله الحمد الدعاء لمعاليه كلما ورد ذكره أو شاهدت صورته، أدعو له بالصحة وطول العمر وصلاح ذريته، كيف لا؟! وهو الرجل الذي كان سبباً في ما أتقلب فيه من نعم تترى بفضل الله وكرمه، كنت ولله الحمد عند حسن ظن معاليه، حصلت على البكالوريوس في السنوات المحدّدة، ثم التحقت مباشرة في الماجستير، وحصلت عليها من جامعة الملك سعود في المدة المقررة، وتقدمت للدكتوراه وحصلت عليها من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المدة المقررة، كل ذلك وأنا على رأس عملي في وزارة الثقافة والإعلام وأحمد الله وأثني عليه. معالي الدكتور عبدالله الشبل، هذا الرجل كثّر الله من أمثاله، كان سبباً في تغيير مسيرتي الحياتية، حيث أحدث فيها انقلاباً تجديدياً، فمن مراقب إنشاءات متخرجاً من المعهد الملكي بالرياض إلى دكتور في العقيدة والمذاهب المعاصرة له مشاركاته في خدمة المجتمع سواء كانت وظيفية أو أكاديمية. ليس من هدف كتابة هذه الأسطر التعريف بذاتي المتواضعة جداً، بقدر ما هو ذكر من كان سبباً في ذلك، اعترافاً لأصحاب الفضل، مع يقيني بالتقصير في حق معاليه ولكن لعلّه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ويتذكّر القراء أهل الكرم والنُّبل أمثال معاليه، ولا غرو؛ فمعاليه عَلَم من أعلام الأدباء والمفكرين والمثقفين النُّبلاء الكرماء في مجتمعنا الخيّر، حفظك الله يا صاحب الفضل وأمدّ بعمرك، ورزقك الصحة والعافية وذكرك الله فيمن عنده، والعذر كل العذر على هذا الجفا، وعزائي أنّ الدعاء له في ظهر الغيب هو ديدني بإذن الله وتوفيقه.
المستشار الإعلامي بمكتب وزير الثقافة والإعلام -dr-al-jwair@hotmail.com