نقلت لنا وسائل الإعلام المتنوعة مشهدين رائعين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - حفظه الله - يوضحان اهتمامه المتواصل بشؤون الوطن والمواطنين، وسعيه الدؤوب لمصلحة البلاد والعباد. المشهد الأول جرى قبل بضع سنوات يوم كان وليّاً للعهد، والمشهد الثاني قبل بضعة أشهر، وهو ملك يحكم البلاد.
المشهد الأول يتناسب مع الظروف التي مر بها العالم من الأزمات المالية والمحن الاقتصادية، فقد وجّه الملك رسالة للمواطنين بضرورة الاستعداد للمرحلة القادمة من التقشف والزهد.
والمشهد الثاني تفاءل وقدّم دعوة واضحة لشكر الله وما أفاءه على البلاد والعباد من الخيرات والنعمات.
هذان المشهدان يبينان حياة المد والجزر التي يتعرض لها الإنسان في كل مكان وزمان، ولكن خادم الحرمين الشريفين - سدده الله - أضفى على المشهدين صبغة إسلامية، تتفق مع حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له). رواه مسلم.
المشهد الأول :
قبل بضع سنوات، وفي اجتماع مجلس التعاون الخليجي، وأمام زعماء دول المجلس، وجًّه خادم الحرمين الشريفين بياناً حازماً يتناسب مع خطورة المرحلة، جاء فيه: (إن الطفرة انتهت... ويجب أن نعترف بذلك ... وأنه يجب علينا أن نشد الأحزمة على البطون ... ونستقبل سنين ما بعد الطفرة العجاف ...).
في تلك الأثناء، كانت نعمة البترول تتدفق من بلادنا المباركة، وكان سعر البرميل يتراوح ما بين 23 و 27 دولاراً، وقد اكتوينا - نحن المواطنين -بهذه السنين العجاف في كثير من مرافق الحياة.
المشهد الثاني :
جرى قبل بضعة أشهر، خلال استقبال خادم الحرمين الشريفين الملحق التعليمي ومجموعة من الطلبة المبتعثين في أمريكا لتحصيل دراسات عليا في جامعات العاصمة الأمريكية، قال: (سأقول لكم كلمة قلتها، ستضحككم جميعاً، كنا في مجلس الوزراء، وقلت لهم: ادعوا للذي أنا سأقوله، قالوا وما هو؟ قلت: قولوا: الله يُطول عمره، قالوا : الله يطول عمره، من هو هذا؟ قلت: قولوا: الله يطول عمره، قالوا: الله يطول عمره، من هو؟ قلت: البترول! لماذا؟ هذه ما قلتها إلا يوم ابتدؤوا يُنقبون عن ما في باطن الأرض، وأوقفتهم عن التنقيب كله، قلت : مادام البترول - ولله الحمد - فيه، وهذا الذي أقول إنه الله يطول عمره، خلوا مخزون الأرض فيها لأبنائنا وأبناء أبنائنا وورثتنا - إن شاء الله - وبلادكم - ولله الحمد -غنية بهذا كلها).
نسأل الله - تعالى - أن يستجيب دعاء خادم الحرمين الشريفين ببقاء نعمة البترول لعقود طويلة، وأن يجعل الله فيه البركة لنا وللأجيال القادمة.
مقارنة بين المشهدين :
يمكن من خلال هذين المشهدين أن نستنبط الكثير من الفوائد والدروس، من أهمها أن بقاء هذه الخيرات في جوف الأرض واستخراجها والانتفاع بها مرهون بمدى شكرنا لله - تعالى - على ما أنعم علينا من خير، ومنع عنا من شر. ولو افترضنا أن تدفق البترول استمر مائة عام قادمة، ولكن بنفس السعر الذي كان عليه قبل بضع سنوات إذ كان يتراوح بين (23-27) دولاراً، أو أقل من ذلك، فسنضطر - نحن والأجيال القادمة - أن نشد الأحزمة على البطون، وقد يكون البترول وبالاً علينا إذا غفلنا عن شكر الله، أو أسأنا الانتفاع بهذه النعمة، كما جرى للدول الأخرى، ولهذا قال الله تعالى: ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ? (سورة الأعراف : 96). قال المفسرون: (لو أن أهل القرى أينما كانوا، وفي أي زمن عاشوا، آمنوا إيماناً صادقاً بأعمالهم، بفعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض من غير كد ولا نصب).
ولكي تستمر الخيرات، وتنتشر الرحمات، وينعم الناس بالأمن والأمان في بلادنا المباركة؛ ينبغي على خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - أن يعمل بثلاث آيات من كتاب الله تجمع له ولحكومته ولشعبه الخير كله، وتدفع عنا الشر كله، ونظائرها في الكتاب والسنة كثيرة جداً :
1 - الأمر باتباع الشريعة الإسلامية والتحذير من اتباع أهل الأهواء، قال الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ . إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (سورة الجاثية: 18، 19). فأمر الله - تعالى - رسوله ومن قام مقامه من أولي الأمر والمؤمنين باتباع الشريعة، ونهاهم عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون؛ لما فيه من مخالفة الشريعة والخروج عليها، إلى ما يسخط الله، ويحل عليهم نقمته وعقوبته.
2 - العمل بما أمر الله به رسوله والمؤمنين من العفو والصفح والمشورة، ثم العزم والتوكل على الله، كما قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (سورة آل عمران: 159). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم من ولي من أمور أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه) رواه مسلم. قال أهل العلم : لأن من صلحت سريرته، وحسنت سيرته؛ أقبلت القلوب إليه، وصغت إليه، وصفت له، والضد بالضد، وبالله التوفيق، والعمل بهذه الآيات والأحاديث، من أعظم ما تشكر به النعم، وتستدفع به النقم.
3 - الصبر على ما أمر الله به نبيه، ورضيه له، ولأنبيائه ولمن سار على نهجهم، والتحذير من طاعة أصحاب القلوب المريضة كما قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (سورة الكهف: 28). فما أعظمها من آية، وما أنفعها للقلوب لمن عمل بها، فذكر الخير وسببه، وأمر به، وذكر الشر وسببه، ونهى عنه.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة أن أساسها التوحيد، فاتباع شريعة الله والتوكل على الله وإرادة وجه الله كلها تحقيق التوحيد لله، فبالتوحيد تُجلب البركات، وتُنشر الرحمات، وتُدفع النقمات، وتُمنع الكربات.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله - تعالى -). رواه البخاري.
وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك، جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه). رواه أبو داود والنسائي.