في شهر ديسمبر المقبل تكمل المملكة فترة خمس سنوات من تجربة الاندماج في النظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف والمتجسد بمنظمة التجارة العالمية بما تحتويه من قيم ومبادئ وقواعد واتفاقيات لإدارة التجارة العالمية تعتمد في الأساس على القدرات البشرية في التفاوض المتسلحة بالفهم الجيد لمبادئها وقواعدها القانونية.
ولعل من حسن الطالع، بالنسبة للأعضاء الجدد، أن أصيب النظام التجاري بالجمود منذ عام 2005م حيث لم تراوح المفاوضات التجارية مكانها منذ ذلك التاريخ، مما يعد فرصة سانحة لاستيعاب الاتفاقيات والالتزامات القائمة قبل أن يدرج على جدول أعمال المنظمة أجندة جديدة.. وقد توقعنا هذه النتيجة في مقال نشر في صحيفة الرياض مطلع عام 2006م بعنوان «مستقبل منظمة التجارة العالمية».
وبهذه المناسبة، يجدر بنا تقويم الفترة الماضية من حيث مكاسب الانضمام وأعبائه والتزاماته.. ونستطيع القول إن من ثمرات الانضمام تطوير الأنظمة التجارية السعودية، والتقدم المحرز في حماية حقوق الملكية الفكرية، والخطوات التطويرية لمرفق القضاء نحو التخصص وفق المعايير العالمية التي لا تتعارض مع القيم والثوابت الخاصة.
أما عن التجارة السعودية الخارجية العابرة للحدود ومدى استفادتها من قواعد المنظمة (مبدأ المعاملة الوطنية)، (ومبدأ الدولة الأولى بالرعاية)، فقد جاءت العقبات من بعض دول الشرق خاصة من الصين والهند بفرض رسوم إغراق على بعض الواردات السعودية من البتروكيماويات على عكس ما كان متوقع حيث تركزت اهتمامات المفاوضين السعوديين على سبل إزالة المعوقات التي كانت تفرضها بعض الدول الغربية.
وقد كانت آليات معالجة تلك العقبات تعتمد على المفاوضات الثنائية وتتحاشى اللجوء لقواعد تسوية الخلافات في إطار المنظمة لنقص الكوادر المؤهلة القادرة على مقارعة الخصوم وفق نظام تسوية المنازعات شديد التعقيد.
الجانب الآخر للمسألة، هو تقويم أثر الانضمام على التجارة الداخلية والمستهلك المحلي، وهنا يبدو أثر بعض قطاعات الخدمات كالتأمين والبنوك والتعليم والصحة. أما عن حماية التجارة الداخلية من المنافسة المخالفة لقواعد المنظمة، فالصورة لا تبدو واضحة. فهل السوق السعودي لا يعاني من واردات مغرقة؟. وهل السوق السعودي لا يعاني من واردات مخالفة لقواعد التدابير الصحية؟. وهل السوق السعودي يطبق معايير الحواجز الفنية أمام التجارة؟.
الجانب الأخير هو تنمية القدرات الوطنية لفهم واستيعاب قواعد المنظمة0 فحسب علمنا الوضع لا يزال كما هو قبل الانضمام.. ولازلنا نعتمد على خبراء من باكستان ومصر وبيوت خبرة أجنبية. بينما كان يفترض الاستفادة من عرض الدولة السخي لتنمية القدرات الوطنية وابتعاث عدد كبير من الشباب السعوديين للتخصص في موضوعات المنظمة والتدريب لدى أجهزتها ليتولوا بعد ذلك زمام الأمور لدى الجهات المعنية بشئون المنظمة.
وما لم يقم المعنيون بذلك، فسوف يتحملون المسؤولية التاريخية حيال توريث الجيل القادم اتفاقيات تمس مستقبلهم دون أن تتاح لهم الفرصة لفهمها، وكيفية إدارة مصالحهم في إطارها، والقدرة على الدفاع عن تلك المصالح.
JAZPING: 8746 - malshmmeri©hotmail.com