هل يمكن القول: إن الأجواء الداكنة من التوتر السياسي والدبلوماسي قد تعود لتخيم بظلالها القاتمة على العلاقات السورية - اللبنانية بعد أن أصدرت سوريا مذكرة اعتقال في حق 33 من الشخصيات السياسية اللبنانية وغير اللبنانية معظمهم من المقربين لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري؟
وهل يمكن القول: إن المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد ادعى على تلك الشخصيات اللبنانية بأنهم شهدوا زورا في التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من أجل المطالبة بالحصول على حقه الشخصي من جراء تلك التهمة وما تسببت فيه من سجنه لأربع سنوات تقريبا؟
أخيرا هل يمكن القول: إن التطورات القضائية السورية هذه قد تعيد العلاقات السورية اللبنانية مرة أخرى إلى الوراء لربما إلى نقطة الصفر، ولا سيما وأن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لن يتخلى عن معاونيه من المتهمين في المذكرة السورية القضائية؟
من هنا قد يقول قائل: إن تصريحات السفير السوري في لبنان التي أكد فيها أن تلك المذكرة مجرد إجراءات قانونية لا يمكن أن تمس العلاقات السورية - اللبنانية السياسية، من التصريحات التي قد تمنع حدوث تصعيد في الوضع الحالي المعقد هذا، بيد أن ما يجري على الساحة اللبنانية من تصريحات سياسية مضادة تشير إلى احتمال حدوث عكس ذلك تماما.
بل إن ماكان يعتقده بعضهم من أن التصريحات السورية قد تطمئن الجانب اللبناني وتؤدي إلى عدم التصعيد في الأزمة، أثبتت التطورات اللاحقة مؤخرا أنها لم تحقق ذلك الهدف، بل إنها أدت إلى إثارة الكثير من التساؤلات وردود الأفعال السياسية اللبنانية السلبية. بمعنى أن الأزمة الجديدة في طريقها إلى التصعيد، وهذا على ما يبدو المتوقع حدوثه في المستقبل القريب.
صحيح أن القرار السوري استدعى حدوث حالات من الاستنفار السياسي في كل من الحكومتين السورية واللبنانية لاحتواء تداعياته السياسية السلبية على الطرفين ولاسيما وأن الأجواء السياسية بينهماكانت قد صفت مؤخرا بعد قطيعة سياسية وخلاف سياسي استمر لعدة سنوات منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الحقيقة تشير إلى أن النار مازالت تشتعل تحت الرماد...وإلا لماذا العودة إلى التصعيد مرة أخرى؟.
الأجواء المتوترة بين كل من سوريا ولبنان لا يمكن إلاوأن تنعكس بدورها على أجواء المنطقة برمتها، فالمخاوف الإقليمية من عودة الخلاف ولربما الصراع لها ما يبررها، فعملية اغتيال الحريري أصبحت وسيلة لتحقيق غاية، كانت في البداية دولية، لكن على ما يبدو أنها تحولت إلى وسيلة إقليمية لتحقيق غاية إقليمية. بل إنها غدت شماعة تعلق عليها بعض من التحركات السياسية المشبوهة الرامية إلى إبقاء المنطقة في حالة اشتعال سياسي خطير. هنا تحديدا قد يثار التساؤل حول صدور المذكرة السورية بعيد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران.
التطور هذا كما يراه بعضهم يمثل صولة وجولة جديدة من الصولات والجولات الإيرانية في المنطقة، تحديدا فيما بين سوريا ولبنان، ليس وحسب للانتقام ممن اتهموا اللواء اللبناني زورا بالتدبير لاغتيال رفيق الحريري، وإنما لمنع حدوث أي تقدم في العلاقات السياسية بين الدولتين من جهة، ومن الجهة الأخرى لمنع التصعيد الدولي تجاه حزب الله اللبناني المتعلق باتهام بعض من عناصره في عملية الاغتيال.
بمعنى أدق أن مذكرة الاعتقال سياسة إجهاضية، وسياسة استباقية، بل لنقل سياسة تصعيد متبادل، ورسالة سياسية شديدة الوطأة بين أطراف إقليمية وأخرى دولية، هدفها التوصل إلى عقد اتفاق، أو إجراء مقايضة بين بعض من الأطراف المتصارعة على الساحة السورية اللبنانية سواء من داخل المنطقة أو من خارجها.
لكن من الواضح أن اللعبة السياسية القادمة في المنطقة لن تكون وحسب كرات من الثلج، بل كرات من النار، بين هذا الطرف أو ذاك، هذا بالإضافة إلى تعرض المنطقة للمزيد من سياسات عض الأصابع وربما سياسات التنكيل بالأطراف، فالتصعيد أمر وارد في حال وجود من يروق لهم صب المزيد من المواد الحارقة على النار المشتعلة...وهو أمر لا يمكن استبعاده من التحركات السياسية في المنطقة فإيران تعرف كيف تلعب؟ ومتى تلعب؟ ومع من تلعب؟ وتعرف كيف توجه اللعبة واللاعبين بصورة مباشرة وغير مباشرة.
السؤال من المستفيد مما حدث ويحدث بين الدول العربية؟ جوابه بديهي ومنطقي...أنها دولة إسرائيل. أما الأسئلة: ما الذي سيحدث في المرحلة القادمة؟ وما هي تطورات السيناريوهات القادمة المتوقع حدوثها؟ وهل يعود الجميع إلى نقطة الصفر؟ من سيدفع الثمن؟ وكيف سيتم دفعه؟...ما الأسئلة التي لا يملك الإجابة عليها إلا من وهبوا أنفسهم للإيقاع وإثارة الفتن في المنطقة من داخلها أو من خارجها.
www.almantiq.orgخاص بـ الجزيرة