وصلني قبل سفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأيام إهداء قيم من الفنانة التشكيلية القديرة نوال موصلي والهدية كانت عبارة عن كتاب أصدرته حديثاً كما وصلني الأسبوع الماضي منها دعوة لحضور افتتاح معرضها السابع عشر «ربوع بلادي... زادي، ريشتي وألواني» والذي تقدم من خلاله مشوارها الفني الذي تم رصده في الكتاب المذكور كتوثيق لتجربتها الفنية وبحثها ودراستها للمناخ الجغرافي والبيئة المحلية بأنواعها المختلفة.
وكتاب نوال من نوع غير مألوف، فلا هو من النوع الذي يتم تأليفه من قبل كاتب واحد يحلل وينقد الفنان موضوع الكتاب، ولا هو بكتالوج لمعرض محدد أو عدد من المعارض الشخصية للفنانة، إنما يمكن وصفه بالسيرة المصورة، يصاحبها آراء لمجموعة غير قليلة متباينة ما بين الأكاديمي والناقد والمتابع والزميل وعدد من أفراد العائلة، استعرضته على عجالة وأنا أكمل تحزيم حقائبي، وللأسف لم استطع حمله معي لاستكماله لأنه من الوزن الثقيل.
قد يعتقد من يقرأ مقدمتي أنني لست مع هذا النوع من الكتب أو المطبوعات، ولكن على العكس تماماً، فهو ذو أهمية كبيرة، لأنه يرصد أو يوثق معلومات تفيد الباحث في مجال تاريخ الفن، وهو ما لمسته على سبيل المثال مع طالباتي في قسم التربية الفنية في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن أثناء مشاريعهم حول الفنانين السعوديين في مادتي تاريخ الفن والتذوق الفني، حيث كانت الفنانة نوال موصلي من نصيب كل من حنين اليامي ولولو العليط وريمه القحطاني ورنا الربيع، وكان بحثهم متكاملا بسبب تلك التسهيلات التي قدمتها لهم نوال موصلي كما اتضح من متابعتي للمشروع حتى استكماله.
تلك التجربة أوضحت أهمية توثيق الفنان لمسيرته الفنية بنفسه بدلا من الاعتماد على مؤرخي الفن، وعذرا لهذا الطلب ولكن نحن المتخصصون في مجال النقد الفني وتاريخ الفن عددنا قليل، بينما أعدادكم أيها الفنانون والفنانات كثير، كما أن عمق التجربة التشكيلية في الممارسة بالتأكيد لا توازيها عمق التجربة في الكتابة، لذا فأفضل طريقة لتأريخ هذا المجال هو في يديكم، من خلال التدوين المنظم والمنطقي والأرشفة السليمة لمسيرتكم الفنية، وقد اطلعت أيضا على نماذج رائعة أخرى من خلال التجربة التي ذكرتها سابقا هنا، منهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان التشكيلي علي الصفار والفنان التشكيلي أحمد فلمبان، أيضا أقول هذا من خلال تجربتي مع طالباتي، وإن كانت تجربتي مع الصفار أكثر عمقا فقد زرت مرسمه شخصيا واطلعت على أسلوبه في التنظيم والتوثيق، كما أعارني جزءا كبيرا مما يملك من إصدارات ما بين كتالوج معرض إلى مقالة أو تغطية لمعرض في صحيفة.
أكرر أن هذا العمل لا يفترض أن يكون من اختصاص الفنان، ولكن في ظل غياب التوثيق من قبل المؤسسات الرسمية، وفي ظل غياب قسم لتخريج متخصصين في تاريخ الفن، وفي ظل غياب متحف للفن الحديث أو المعاصر يقوم على مشروع توثيق وتسجيل الأعمال الفنية، يبقى الدور عليكم أيها الفنانون إضافة إلى الأعباء الأخرى التي تقومون بها من تسويق لأعمالكم وتنظيم لمعارضكم بل حتى الكتابة عنها في بعض الأحيان.