قضية زواج القاصرات الذي طفا على السطح مؤخراً، وتناقلته الصحف، قضية مؤلمة، يدخل في حدوثها الظروف المادية، والعادات المهترئة, والقلوب القاسية التي لا تعرف الرحمة والحنان. أعرف أن هذه القضية لم تبلغ مبلغ الظاهرة المجتمعية، ولكنها موجودة وواقعة وإن كانت بحالات فردية؛ وقد أجرت إحدى الصحف المحلية (الوطن) يوم الجمعة الماضي لقاءات موسعة مع فتيات صغيرات من مختلف مناطق المملكة وقعن ضحية لهذا الزواج الناقص الأهلية، تحدثن فيه عن ظروف وملابسات ونتائج هذا الزواج، تقول إحداهن: زوجني أبي حين كنت في الحادية عشرة من رجل في الثمانين، واكتشفت بعد زمن أنه رجل مزواج يقترن بالصغيرات الفقيرات وقد أغرى أهلي بالمال ولم استمر معه! أخرى تقول: أنا ضحية زواج (المقايضة والبدل) وتضيف (أنا طفلة مغتصبة)!، ثالثة تقول: تزوجت وعمري أربعة عشرة سنة, من رجل كبير السن، ولم أكن أدرك وقتها معنى الزواج غير شراء الملابس والعطور, ووجدت نفسي في منزل سبقني إليه زوجتان، وذرية (12) طفلاً، أشعر أنني قد اغتصبت، مازال هذا الشعور يطاردني! وقصص أخرى تقطر ألماً وحسرة كشفها ذلك التحقيق الرائع. ولست أدري كيف يقدم رجل سوي مهما كان عمره على الاقتران بطفلة صغيرة بريئة، لم يكتمل نضجها الجسماني والعاطفي والعقلي، وليست مهيأة أصلاً لأن تكون زوجة حقيقية؛ لابدّ أن أولئك الرجال يعانون من مشكلة سلوكية معينة تتطلب علاجاً نفسياً يتم من خلاله إعادة تأهيلهم للتصالح مع ذواتهم ومجتمعهم، وعلى الذين يحتجون بزواج الرسول الكريم من عائشة رضي الله عنها أن يعلموا أنهم ليسوا كالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا فتيات اليوم الصغيرات كسيدتنا عائشة رضي الله عنها! وفي يقيني أنه ما لم يصدر تشريع يجرّم -بضم الياء- هذا الزواج فإن علينا أن نتوقع استمرار حدوثه في ظل الضائقة المادية التي يعاني منها البعض، وسنرى مسنين أثرياء يقترنون بطفلات بريئات في أعمار أحفادهم، كل ذنبهن أنهن وقعن في أيدي آباء قساة ومعدمين ولا يهمهم شأنهن بل كل همهم في اقتناء سيارة جديدة أو بناء مسكن حتى ولو كان ذلك على حساب طفلته البريئة المسكينة التي لا تعرف معنى (الزواج) ومسؤولياته. ألا يحق لي بعد ذلك أن أطالب بالحجر على أولئك الآباء ومعاقبتهم؛ فطفلته هي طفلة المجتمع، وعلى الرجل الذي يسعى للاقتران (بطفلة) أن يتقي الله، ويعلم أن تلك الصبية الصغيرة ليست بحاجة إلى غرفة النوم الكئيبة قدر حاجتها إلى أن يدعها تمارس طفولتها وألعابها، وتواصل دراستها مع قريناتها في المدرسة؛ يبقى التساؤل المر: ترى هل أزواج الفتيات القاصرات مرضى أم مذنبون؟ أترك الإجابة لك أيها القارئ العزيز، وإلى الله المشتكى !