السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سعادة الأستاذ خالد أنا صراحة معجب بمقالاتك، وبصراحة أرغب في عرض مشكلتي لديكم وإن شاء الله ترشدني إلى الحل..
أنا طالب تخرجت من الجامعة قسم الهندسة بتفوق- ولله الحمد- وقدمت معيدا وتم قبولي لكن أنا خجول جدا ولا يمكنني أن أقف أمام الطلاب والصراحة أفكر اني لا أكمل إجراءات الوظيفة لهذا السبب؟
ولك سائلي الفاضل الرد:
أولا تهنئة من القلب على تخرجك أخي الحبيب, وكونك تتخرج من كلية بحجم كلية الهندسة وبتقدير مرتفع فهذا يعني امتلاكك لقدرات عالية وشخصية قوية استطاعت الصمود والكفاح حتى وصلت إلى ما وصلت إليه, وبالنسبة لحالتك فهي أقرب ما تكون للرهاب الاجتماعي وهي حالة من الخوف تنتاب بعض الناس عندما يكونون بين الناس مما تجعلهم يزهدون في الاجتماعات واللقاءات العامة, وهذا الاضطراب الوجداني متفش وبكثرة قديما وحديثا فلست وحدك من يخشى الحديث أمام جمع من الناس ولست بدعا من الآخرين ولست فريد الزمان، فقبلك كثر ومنهم عبد الملك بن مروان فقد اشتعل رأسه شيبا وعندما سئل عن السبب، قال: شيبني عرض عقلي على الناس، يقصد تصدره للخطابة يوم الجمعة والرهاب الاجتماعي ثمرة مرة لتكاثر النقد (الآثم) ومنتج بشع لتفشي ثقافة (التحطيم) ولربما كان السبب في خجلك هو تجربة قديمة لم تكتمل أو موقف محرج آلمك، وعلى كل حال أيها المهندس المتفوق فالأمر في المتناول والحياة تنضح بالفرص ونوافذ الأمل لاتزال مشرعة وأحسبك قادر بإذن الله على تجاوز تلك المتاعب مع التنبيه أيها الفاضل على عدم وجود حل سحري ينهي الأمر في وقت قصير فلا بد من الصبر وتجرع المر، والعبور عبر جسر من الشوك نحو جزيرة الثقة, يقول الكاتب الكبير Joedith Brayliz: (لن يقرع بابك أحد ويقول لك:صباح الخير, استطيع أن أبيعك الثقة التي تحتاجها بعشرين دولارا ولدي كذلك نظام تقسيط مريح لتسديد القيمة! لا شك أننا ندرك جميعا أن الأمور ليست بتلك البساطة؟ ولن تكون بتلك السهولة, إذ ينبغي أن تعالج كل الأشياء المدمرة التي تتصرف بها تجاه نفسك والتي تدمر قدراتك وتهز ثقتك وتحول بينك وبين التقدم للأمام)
واعلم أن البشر على فريقين، فريق قنع بالمشي على أطراف أصابعه قلقا وجلا خائفا من المجهول، محتميا بما جرب واعتاد عليه، وفريق آخر لا يرضى بغير القمة بديلا فهو مقدام شجاع يوقن بأن العمر واحد، وأنه ليس هناك فرصة ثانية، فتراه يجالد القلق ويصارع المجهول ويهوى متعة التجربة، ولقد أخبر أحد المفكرين عن قضية خطيرة اكتشفها في آخر حياته حيث يؤكد أنه عاش حياة طويلة حافلة حاملا في قلبه الكثير من المخاوف التي لم تحدث أبدا! وللأسف إن النفس دائما ما تنذرنا بالويل والثبور وتعدنا بعظائم الأمور! ولهذا تجد الكثير يتفنن في رسم السيناريو الأسوأ للأحداث، مما يؤثر على قراراتهم الحياتية، ويقعدهم عن اتخاذ إجراءات مهمة ومصيرية وأنت ببساطة مخير بين أن تكون إنسانا عاديا بسيطا وتتمتع بالأمان، وبين أن تكون إنسانا عظيما وتواجه بعض المخاطر والعقبات., إما أن تعيش على أطراف أصابعك، خشية إظهار ضجيج يلفت انتباه العالم إليك، وإما أن ترفع صوتك عالياً، مؤكداً وجودك وقبولك تحدي الحياة بشجاعة وجسارة..تخل الآن عن الخوف الذي يقعدك ويكبلك عن اقتحام الجديد فالخوف هو الذي يبقي الناس عالقين بالشَرَك وهو الذي يجعلهم دائما يختارون الشيء الآمن البسيط الأقل مخاطرة، وهو ما يجعلهم يرضون بالأقل دائمًا, وكن أيها الفاضل بركاناً ثائراً.. وموجاً هادراً.. وسحاباً ممطراً.. اقبل المخاطرة وتحمل المسؤولية.. فهي تجعلك تشعر بأهميتك.. تقدم ولا تخف.. واقهر الخوف في كل مرة يظهر فيها.. افعل ما تخشاه يختفي الخوف, حتى ولو صدرت منك أخطاء، فلا تأبه بها وتابع المسير، فمع مرور الوقت ستزول وتصبح كأن لم تكن..
أيها العزيز إن ما نتوقعه ونخشاه من اهتمام الناس بلحظات انكسارنا ومشاهد إخفاقنا أبدا لايتوازى مع الحقيقة فالناس لديهم من الاهتمام والمشاغل أكثر من خطأ فلان أثناء حديثه!فلا تتوقع أنك بؤرة تركيز البشر ومحور اهتمامهم الدائم!
فالضرر من تلك المواقف لا يأتينا من الآخرين ولا من طبيعة المشهد بل للأسف هو نتاج لتحليلاتنا السلبية وثمرة لقراءتنا الخاطئة! فنحن من يمسك بالسياط نهوي بها على ذواتنا تحقيرا وانتقاصا وبالمطارق الصلبة نكسر بها خرسانة ثقتنا بأنفسنا وبالسهام الحادة نطعن بها هويتنا بلا رحمة!.
ثق ثقة تامة أنك عندما تتصدر في قاعة المحاضرات ستكون الحلقة الأقوى فأنت تملك المعلومة وتملك السلطة على المشهد فلا شيء يخيف، فتوكل على الله وعليك بالاستعداد الجيد وتجاوز الخطوة الأولى فمتى ما خطوتها فذلك يعني وصولك! فالسبب الحقيقي لخوفك من الحديث ناشئ ببساطة عن عدم تعودك على الحديث إلى الجمهور, فآثار أقدام الدب أكثر إفزاعاً من الدب نفسه كما تقول الحكمة فواجه مخاوفك ولا تخف مما لا تراه حقاً لذا فإن شجاعة يوم واحد ستخلصك من الخجل كما تقول: ليلى لونديز
وستكتشف مثل آلاف الأشخاص قبلك أنه يمكن تحويل الحديث والخطابة إلى متعة بدلاً من كونها محنة بمجرد تكوينك لحصيلة من التجارب الخطابية الناجحة، وبعد هذا اوصيك أيها الفاضل بالاقدام على قبول الوظيفة وعدم التردد وفقك العزيز وسددك.
شعاع:
يعج عالمنا بالعظماء الذين لم يدركوا عظمتهم قط!