«بدو أثرياء في شنغهاي» مقالٌ كتبته في الرابع من شهر رمضان على إثر زيارتي لمعرض السعودية في الصين، وهالني أن لا أرى أثراً للإسلام يُذكر في معرض أرض الإسلام ومهد النبوة وحامية حمى كلمة التوحيد. وبعد مرور خمسين يوماً من نشر المقال اتصل بي الأستاذ حمد العمر من وزارة البلدية وأوضح أسباب ذلك، وأرسل لي التعقيب الذي نشرته الجزيرة ضمن الردود في «عزيزتي الجزيرة».
لم يكن غياب الإسلام عن معرض السعودية في شنغهاي تقصيراً من القائمين عليه ولكن كان امتثالاً ًًلشروط الصين التي نصت على -كما جاء في تعقيب الوزارة- «بأن طبيعة المعرض تتحدث عن مدينة أفضل لحياة أفضل حيث تم التأكيد من قبل الجهة المنظمة للمعرض بضرورة الالتزام بشعار المعرض المشار إليه»، وأن الوزارة قد أقامت -في مكان أخر في إكسبو- (كما جاء في التعقيب) معرضاً خاصاً عن الإسلام وعن خدمة السعودية للإسلام والمسلمين. ويبدو أن هذا المعرض لم يأخذ حظه من التغطية الإعلامية المحلية ولا العالمية -على حد علمي- ولم أعلم به من قبل ولم يذكره أحد ولم أجد له إشارة في موقع إكسبو.
وعذر الجهة المسؤولة وإن كان ضبابياً وغير واضح في التعقيب (فالإسلام هو من قادنا إلى حياة أفضل)، ولكنه كان واضحاً لي بسبب شواهده التي لمستها أثناء تواجدي هناك ولكني لم أربطه بمعرض السعودية في شنغهاي. لذا فإنني أجد نفسي ملزماً وطنياً وأدبياً ومهنياً بكتابة مقال في نفس الزاوية يشرح الأسباب التي لم تتبين لي من قبل وتبينت لي بعد توضيح الجهة المسؤولة، ولا أكتفي بما نشرته الوزارة بأسلوب «دبلوماسي» قد لا يُفهم وقد لا يقرؤه من قرأ مقالي السابق.
في رحلتي عبر أرض الصين كنت أصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً على أرصفة الطرقات وبمحاذاة ضفاف الأنهر وفي المزارع خوفاً من فوات وقتها. وقد أُخبرت عدة مرات بأن قانون الصين يمنع أداء الشعائر الدينية في الأماكن العامة المفتوحة ولكن لم يعترضني أحد، بل كنت أستمتع حينها بتبجيل الصينيين وبروحانية أداء مشاعر الله علانية في بلاد وثنيه. والشاهد هنا، أن قانون منع إظهار أي مشاعر أو طقوس دينية في الأماكن عامة على أرض الصين، قد تبين لي -حسب رد الوزارة- أنه قد انسحب على إكسبو، وتصرف فرد سائح ليس كتصرف ممثل رسمي للدولة. ولعل هذا أيضاً يشرح الجانب الآخر من المسألة، وهو لماذا لم يحظ المعرض الإسلامي السعودي الذي جاء خبره في تعقيب الوزارة بالتغطية الإعلامية التي حظي بها المعرض السعودي؟.
كان ذلك ما وراء خبر «بدو أثرياء في شنغهاي»، وأما عين الخبر فهو أنه لا يجوز للكاتب - حتى لا يُصبح مُصدراً للشائعات الهدامة - أن يُخفي حقيقة أو أمراً قد تبين له بعد نقده لجهة مسؤولة حتى ولو لم تنجح هذه الجهة في تبرير هذا النقد أو حتى لو أنها تجاهلته، فالتجاهل المتبادل بين بعض الكُتاب وبعض الجهات المسؤولة هو نتاج غياب ثقافة الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية سواء من الكاتب أو المسؤول. فالكاتب في صحافتنا غالباً ما يتجاهل تبرير الجهة التي كتب عنها بل قد يحاول قلبها كراهية منه بالاعتراف بالخطأ، والمسؤول غالباً ما يتجاهل الصحافة إما استخفافاً بها وإما خوفاً وتهرباً من تحمل المسؤولية.
إن مما سكت عنه أن ثقافة الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية هي ثقافة نادرة في مجتمعنا على اختلاف شرائحه وطبقاته، ولن نبني مجتمعاً متطوراً ينعم فيه أبناؤنا وأحفادنا حتى نُحيي هذه الثقافة في جميع معاملاتنا الإنسانية سواء الدينية منها أو الاجتماعية أو الرسمية.