حين دشن وزير الإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة صفحته في الفيسبوك تقاطر عليها طالبو الإضافة من محبي الاستطلاع: أحقاً يجرؤ مسؤول أعلى بالسلطة أن يزيل كل الحواجز والفلاتر المعتادة, ويتيح الفرصة للحوار معه مباشرة وبحرية؟ وسرعان ما تجاوز عددهم الخمسة آلاف.. الحد الأعلى المسموح به في الفيسبوك.. مما يدل على نجاح تجربة الحوار المباشر تحت تنظيم تقني يسمح بإزالة الغث والإبقاء على المفيد.. وسارع وزيرنا الهمام إلى فتح صفحة ثانية وصلت هي الأخرى السقف الأعلى سريعاً.. وهو يستخدم صفحته بتعقل:
يتلقى رسائل الجميع قارئاً وليس بالضرورة كاتباً يرد.. وقلّما يدخل في نقاش.
مثله فتح وزير العدل الشيخ محمد العيسى وكثير من أعضاء مجلس الشورى صفحات تقاطر إليها المهتمون.
وزير العمل المُعيَّن حديثاً الأستاذ عادل فقيه دشن صفحته في الفيسبوك.. وابتدأ أول تفاعل جاد طالباً من المهتمين ترشيح القضايا التي يرونها أهلاً للأولوية في المعالجة بوزارة العمل.. وأرجو أنها كانت تجربة ناجحة ساعدت الوزارة على استبيان رأي رجل الشارع واجتذاب المثقف لتقديم الرأي والمساهمة في إيجاد حلول, بدل هدر أصواتهم في الشكوى المقذعة, وصراخ الاتهامات بالتقصير والفساد, أو الصراخ المعاكس لإفحام وإسكات أي رأي قد يقنع الآخرين فيتخذون موقفاً مضاداً لرغباته.
***
نحن الآن في عصر تطورت فيه قدرات صناعة الإعلام وتعددت مساحات خدماتها متوجة بأنظمة التواصل الإلكتروني الفضائي السريع.. هذا الإعلام الإلكتروني مستمر في التطور وقدرة الوصول المباشر تاركاً لا مجال لتحكم رقيب أو فرض معرفة محدودة أو رأي موحد على الجميع..
ومؤكد أننا نعايش الآن طفرة في تداعم الإعلام وصنع القرار بمشاركة الجميع, وهذا هو الاتجاه الصحيح.. ولكن كل تطوير أو تغيير له وعليه.
انفتحت الآفاق بفعل العولمة وتقنيات التواصل المباشر من موقع الحدث.. ولم تعد التعمية أو التعتيم ممكنين, ولكن التجهيل مثل التوعية قادر على استخدام كل تقنيات هذا الإعلام الجديد وتسخيرها لهدفه. فهل نستطيع ترشيد استخدام التواصل كأداة بناء؟ وليس كأداة هدم يشحذها التطور التقني لتكتسب فعالية مضاعفة الشر؟ هل نستطيع أن نطوّعه لصالح بناء مجتمعنا بشمولية التثقيف وليس للخطابة والصراعات والتجهيل والتضليل؟
***
ناحية أخرى مهمة لا بد من الالتفات إليها في ثقافة حرية التعبير والأجواء المفتوحة.. تلك هي مسألة أدبيات الحوار الحضاري:
أن تمتلك قدرة إرسال المعلومة لا يعني أن تطلق العنان لإرسال كل ما يحلو لك إرساله بما في ذلك ما ليس مقبولاً من الآخرين.. لا يعني أن المواد الإباحية والرسائل التشهيرية والسخرية من فئات بعينها هي مواد ممتعة للتلقي مثلما هي مغرية للإرسال.. ولا يعني التساهل في نشر أي معلومة قبل التأكد من صحتها. ولغة السباب والهمز واللمز منهي عنها في تعاليم عقيدتنا الإسلامية السوية.. لكنها تمارس مجتمعياً وكأن عدم اتفاقنا في الرؤية والموقف يمنحنا حق تمزيق الآخرين كلامياً.
في أجواء حرية التعبير ضروري أن يكون هناك ضوابط لكيفية التواصل أو الحوار مع الآخرين.. وضروري أن يعرف ويمارس الناس الرادع الذاتي الذي يمنع الانحدار إلى السوقية والإضرار بالآخر لمجرد أننا نختلف عنه في الرأي أو الانتماء.
في المجتمع الافتراضي للفيسبوك لا يدخل عالمك الخاص إلا من تسمح له بذلك.. والأهم من ذلك أنه لكي يظل فيه عليه أن يلتزم بشروطك الخاصة.
في العالم الحقيقي ليس هناك إجراءات معتمدة ومفروضة على الجميع للدخول أو الإلغاء.
ليت مجتمعنا يتعلم من العالم الافتراضي كيف يصبح الانتماء والبقاء موقعاً مربوطاً بحسن التصرف وحسن الجوار والالتزام بأدبيات الحوار الحضاري.
في أيدينا مهارات كل هذه التطور التقني.. ثم نجرح أنفسنا ونجرح غيرنا لأنه سلاح مشروط ذو حدين!!