نعمت الميزانية الأمريكية بفائض مالي غير مسبوق، وباقتصاد ينمو باضطراد متسارع، وبنسبة بطالة متدنية للغاية عندما ترك الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون كرسي الرئاسة الأمريكية بعد أن شغرت لمدة ولايتين امتدتا لثماني سنوات من تسعينات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الثانية. خلف بوش الابن الرئيس كلينتون في سدة الرئاسة الأمريكية بدءاً من بداية الألفية الثانية لولايتين رئاسيتين امتدتا أيضاً لمدة ثماني سنوات انتهتا بانتخاب الرئيس أوباما كأول رئيس أمريكي أسود. بيد أن هناك شتان بين ما خلفه كلينتون لبوش الابن وبين ما خلفه الأخير للرئيس أوباما. خلف بوش الابن للرئيس أوباما اقتصاداً متهالكاً وعجزاً قياسياً تاريخياً لم يسبق له مثيل في تاريخ ميزانية الولايات المتحدة. ولقد لعبت الحربان التي خاضتهما الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان دوراً محورياً فيما تعرض ويتعرض له الاقتصاد الأمريكي من أزمات خانقة عصفت به وما تزال. ويبدو أن هناك علاقة طردية بين حالة الاقتصاد الأمريكي وبين الحروب التي تخوضها أمريكا. ويبدو هذا جلياً مع تسجيل تحسن واضح فيما يخص أداء الاقتصاد الأمريكي بعد بدء الانسحاب الأمريكي من العراق والذي بدأ من شهر أغسطس الماضي وسوف يكتمل بحلول العام 2011. كلفت حربا أفغانستان والعراق الخزينة ودافع الضرائب الأميركي آلاف المليارات من الدولارات. حروب لم تزد أمريكا أمناً ولم تزهر وضع البلاد التي دارت في رحاها.
كان انسحاب أمريكا من العراق من وعود الرئيس أوباما الانتخابية خلال ترشحه للرئاسة. ولقد وفى بهذا الوعد، وهو لا شك أنه قرار صائب وستؤكد الأيام لاحقاً بأنه كان القرار الصحيح. بالمقابل فإن الرئيس أوباما قد أخطأ خطأً إستراتيجياً في عدم شمل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في حملته الانتخابية للرئاسة. كل الحقائق وكل المعطيات على الأرض في أفغانستان أكدت وتؤكد استحالة تحقيق نصر مؤزر. واتضح هذا للعيان بعد تسع سنوات من حرب ضروس كلفت الخزينة الأمريكية آلاف المليارات من الدولارات. كانت الأهداف المعلنة للحرب على أفغانستان هي: القضاء على طالبان، قتل أو القبض على أسامة بن لادن، القضاء على تهديد القاعدة المنطلق من الأراضي الأفغانية، جعل أمريكا أكثر آمناً، وتحقيق الديمقراطية للشعب الأفغاني. بيد أنه وبعد تسع سنوات عجاف من الحرب الضروس لم يتحقق أي من الأهداف المعلنة للحرب على أفغانستان، فلم يتم القضاء على طالبان بل بدا أن المثل الذي مضمونة «أن الرياح التي لا تستطيع اقتلاعك تجعلك أكثر صلابة» أصبح ينطبق تماماً على طالبان. فكل قوة الولايات المتحدة العسكرية وبمساندة قوات حلف الأطلسي لم تستطع هزيمة طالبان. مقاتلوها يكرون ويفرون في حرب لا نهاية لها ويصلون إلى أهداف في عمق العاصمة كابول. لم تستطع أمريكا وحلفاؤها وبكل ما لديهم من تجهيزات ومعلومات استخبارية من كشف مكان وجود زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. لم يتم جعل أمريكا أكثر أمناً بالحرب على أفغانستان، بل إن المصالح الأمريكية في الكثير من الدول والتي تحد أفغانستان كباكستان أصبحت مهددة. وفي الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من الحركات الانفصالية التي تنطلق من أفغانستان باتجاه الدول المجاورة كطاجكيستان وغيرها. أختفى تنظيم القاعدة شكلياً في أفغانستان واختلط بفلول طالبان والتي ظهر في وسائل الإعلام مؤخراً انضمام الكثير من مقاتلي القوقاز والدول المجاورة لصفوفها. وظهرت تنظيمات للقاعدة في اليمن والمغرب العربي. محاولة تطبيق الديمقراطية أثبتت في أفغانستان وبامتياز فشلها الذريع، الانتخابات الرئاسية انسحب منها مرشح المعارضة الرئيس عبدالله عبدالله بدعوى قناعته المطلقة بتزويرها. والانتخابات التشريعية رصدت أكثر من 4000 شكوى بالتزوير والتصويت تحت الضغط والإكراه.
سيصدر للصحافي الأمريكي المشهور بوب ودورد كتاب قريباً تحدثت عنه الكثير من وسائل الإعلام خصوصاً الأمريكية، يتطرق فيه بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يفتقد لإستراتجية واضحة لاستمرار الولايات المتحدة في حربها في أفغانستان. ولقد تحدث بعض مساعدي الرئيس أوباما للأمن القومي بأنه ليس لديه رؤيا واضحة فيما يخص الوجود الأمريكي في أفغانستان. الغريب في الأمر أن من يدير الشأن العسكري الأمريكي في أفغانستان الآن هو الجنرال ديفيد بتريويس، وهو جنرال محنك وسياسي وتذكر هيئته بالجنرالات الأمريكيين النبلاء أمثال الجنرال داوييت إيزينهاور، الجنرال دوجلاس ماك آرثر والجنرال عمر نيلسون برادلي، ومع ذلك يبدو هو الآخر وكما هو الحال مع الرئيس ليس لديه إستراتجية واضحة بخصوص الحرب على أفغانستان. التاريخ يقول لنا إن كل من غزا أفغانستان اضطر للانسحاب منها سواء عاجلاً أو آجلاً. والوضع الاقتصادي الأمريكي وفرص إعادة انتخاب الرئيس أوباما لفترة رئاسية ثانية تحتم عليه التفكير بجدية في الانسحاب من أفغانستان في أسرع وقت.