هذا العنوان استقيته من كتاب للسان الدين بن الخطيب، غير أن ما سأكتبه عنه غير موافق لما كتب لسان الدين، فقد نفض جرابه في كتابه، أما أنا فأنا عازم على نفض جرابي في هذه العجالة. ومن تلك النفاضة ما سمعته من إخوة كرام لهم معرفة واهتمام بشؤون الإبل ومزاينها، ومتابعة ما يستجد على أوضاعها وأسعارها وبيعها وشرائها. ومما ذكروا أن بعضاً من ملاك تلك الإبل قد عمدوا إلى استخدام ما أتاحته التقنية الحديثة المتعلقة بجراحة التجميل، وذلك باستخدام عملية تؤدي إلى استرخاء الشفة السفلى للجمل أو الناقة فتميل إلى الأسفل، وهي من معايير الجمال لعشاق هذا الحيوان الذي خدم في الماضي في النقل والترحال وإنتاج اللبن والصوف واللحم، وغيره من المنافع الجمة التي انحصرت في وقتنا الحاضر في لبنه ولحمه. كما أن البعض قد يعمد إلى فرك شفته السفلى بشيء من (الفكس) فيرفع الجمل أو ترفع الناقة رأسها وتلتفت يميناً ويساراً مع إسدال في الشفة السفلى، وهو ما يبهج أصحاب تلك الصنعة. ويبدو أن استرخاء الشفة السفلى في النساء محبب إلى كثير من الرجال، وهو مالا أرى فيه جمالاً إضافياً، ولذلك فإن عدداً من نساء عصرنا يلجأن إلى مجاراة أصحاب الإبل أو العكس في إجراء عمليات تسمح بذلك الاسترخاء الذي أصبح معياراً من معايير الجمال، مع إضافة ما أمكن من مواد تسمح بشيء من الغلطة المصطنعة.ونفاضة أخرى من نفاضات جرابي بيت من الشعر قاله أحد الشعراء، ظل يرجو من رجل هبة، فلم يلتفت إليه ولم يهبه شيئاً يسمح له بقول الشعر فيه، فعندما يأس قال بيتاً جميلاً من الشعر:
أصبحتُ أحلب تيساً لا مدر له
والتيسُ من ظنَّ أن التيسَ محلوبُ
والشعراء، ومن جاراهم من ذوي الألسنة الطوال يخشاهم الناس، وربما يحققون مآربهم خوفاً من سياط ألسنتهم إلا أن البعض قد يصم أذنيه، ويعمل ما يراه يرضي ربه، ويتفق مع ما أوكل إليه، أما المال فمن الأجدر أن يذهب إلى أصحاب الحاجات وليس الألسنة واللجاجات.
ومن نفاضة جرابي، بيت شعر مليء بالحكم قرأته فحفظته وفيه يقول الشاعر:
على أنها الأيام قد صِرْنَ كلها
عجائب حتى ليس فيها عجائب
يا له من بيت جميل له نسقٌ ومعنى، فما أكثر العجائب، ولكل منا أن يفسر ما يراه من العجائب حسب رأيه واهتمامه والله المستعان.
وبيت شعر آخر قال صاحبه:
لا تهنِّي بعدما أكرمتني
فشديد عادة منتزعة
والحقيقة أن العادة المنتزعة من أصعب ما يكون على المرء، ولذا فمن الأجدر ألا تعود الناس على عطاء معلوم في زمن معلوم، فيعتب إن أحجمت، ويسخط إن قطعت، ويعتبر أن ذلك حقا قد منحه الله إياه منك، وهذا ما نشاهده في العادات التي درج الناس عليها لا سيما في شهر رمضان، حتى وإن أنعم الله على المُعْطى، وتغيرت حاله، أو أنه وجد من هو أحق منه. ونفاضة أخرى تمثلت في بيت شعر جميل رائع في وصف سيدة ذات أرداف، خرج دخان الند من جيبها فعلا وجهها المشرق فقال الشاعر واصفاً ذلك المنظر:
ومخطوطة المتنين مهضومة الحشا
منعمة الأرداف تدمى من اللمس
إذا ما دخان الند من جيبها علا
على وجهها أبصرت غيما على شمس
هذه النفاضة المتنوعة تجمع عجائب حتى لم يعد هناك من عجيب، فقد أسرف الإنسان حتى وصل إلى تجميل الناقة والبعير لبيعها بأثمان تدعو إلى العجب، وكذا ذلك التحول في المجتمع الذي جعل قضاء الحاجات ربما خوفاً من الألسن، لذا كثرت العجائب حتى لم يعد هناك عجيب، وفي النفاضة الأخيرة ترويح عن النفس بشيء من جمال شعر الغزل والوصف البديع.