ألح عليَّ هذا السؤال فكتبته عنواناً لهذا المقال، لكنني عندما شرعت في الإجابة عليه شعرت بتعقيداته وتعدد الدول اللاعبة في فضاء العراق في الوقت الذي يبحث فيه شعب العراق عن الكهرباء وعن الأمن، وعن الماء في بعض قراه رغم أن اسمه التاريخي بلاد ما بين النهرين، وعمَن يعيد له بناء البنية التحتية التي دمرها الغزو الأمريكي البريطاني والدول المتحالفة معهما.
هناك رئيس وزراء العراق اسمه نوري المالكي نصَّبته الإدارة الأمريكية لأنه والاها بعد أن عادى الحكم السابق من خلال حزب الدعوة الذي نشأ وترعرع في إيران، ويكفي ذلك للإشارة إلى مرجعياته السياسية والدينية، وهناك أياد علاوي، الذي يمنَّي النفس في العودة إلى رئاسة الوزراء، فلديه تجربة أسبق من رئيس الوزراء الحالي في رئاسة وزراء العراق في أول أيام الاحتلال، ويملك أغلبية برلمانية ولو بعضو واحد.
هذا من الناحية النظرية السياسية، أما في الواقع فإن الجيش الأمريكي وبعض حلفائه لا يزالون في العراق وإن خرجوا من المدن الرئيسية لتفادي الخسائر في الأرواح، ولا يزال لهم تأثير قوي يبدو أنه سيستمر حتى بعد مغادرة العدد الأكبر من الجنود الأمريكان، بدليل أن نائب الرئيس الأمريكي جوبايدن حضر إلى العراق ربما ليحتفل مع جنوده بذكرى الاستقلال الأمريكي، إلا أن من المؤكد أنه حضر للقول للرئيس الحالي والرئيس الحالم نحن هنا ولا يزال لنا نفوذنا وعليكم أن تراعوا مصالحنا وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور.
تواترت الروايات ولاحظ المراقبون للتغلغل الإيراني، أن إيران تحكم العراق فعلاً من خلال مريديها كامل جنوب العراق من جنوب بغداد حتى حدود السعودية والكويت، ولها حصة في الحكومة المركزية من خلال مريديها في البرلمان والحكومة وكافة الأجهزة التنفيذية والمخابراتية، وحتى في حكومة كردستان العراق.
تركيا، هي الأخرى دخلت على الخط، فجزء من شمال العراق التركماني، محسوب على الأتراك وسيحمونه إن لم يكن لأصوله التركية أو وقوفه على منابع بترول شمال العراق، فليكن لوقفته مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الذي يحارب لاستقلال الأكراد عن تركيا، ويطمح في إقامة دولة كردية تضم أكراد سوريا وتركيا وإيران والعراق.
المفارقة اللوجستية، أن لكل من هذه الدول الثلاث ودول الجوار العربي تحالفات ومصالح، ودول أخرى كإسرائيل تعبث بالعراق وتلعب على أكثر من حبل، وتؤجج الفتن الطائفية، وتعمل على تمزيق العراق وسبي شعبه ثأراً من «نبو خذ نصَّر».
واضح أن العديد من الدول تتوزع السيطرة على مناطق مختلفة من العراق وإن كانت بنسب متفاوتة، وإن كان لأمريكا النفوذ الأكبر بحكم تواجد قرابة مائة ألف جندي لها في العراق.
ثم ماذا بعد، ماذا بعد أن تسحب أمريكا جيشها من العراق، هل ستبقى من خلال شركات المرتزقة كشركة «بلاك ووتر» التي غيّرت اسمها بعد الفضائح، أم بمخابراتها وعدد من قواعدها العسكرية المحصنة؟ هل ستعقد صفقة مع «إيران»؟ وتدير ظهرها لدول الخليج؟ هل سيتوحَّد العراقيون وينبذون الفتنة الطائفية والعرقية ويحكمون أنفسهم؟ ما الذي سينتصر «تقاطع المصالح» أم «تعارض المصالح»؟ وهل ستبقى العراق موحدة أم دويلات متعددة؟
في عالم السياسة كل شيء وارد، وبالتالي لا بد من تعديل العنوان ليصبح «مَن سيحكم العراق غداً؟».