مكة المكرمة - المدينة المنورة - واس
أوصى فضيلة أمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله الذي خلقهم، والاستعانة على تقواه بما رزقهم؛ فالتقوى سبيل الإسعاد ومعقل الأمجاد، وبها الفوز يوم يقوم الأشهاد. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام: «لقد عمدت شريعتنا الغراء منذ الأزل إلى خصيصة منوهة بشأنها وبتتويجها وإعلاء صرحها وتدبيجها بل جعلتها قرينة الإيمان في آي القرآن، خصيصة هي مقصد عظيم من مقاصد الدين، وحصن لليقين، وتوكل متين، من استمسك بها استنارت له الظلم، هي الصورة المشرقة والصفحة المتألقة المتمثلة في فعل الخيرات واغتنام البرور والصالحات». وأوضح أن النفوس التي جُبلت على البر والصلاح وطُبعت على الجميل والإصلاح تهفو إلى الخير وتسر بإدراكه ووقوعه وتأسى للشر وتحزن لرتوعه، متسائلاً: أليس البر يا عباد الله مجمع السرور ويبلغ من الأمجاد قاصيتها ومن المحامد ناصيتها، فلا يصدر إلا عن كريم شهم ندب رحيم تسامى إلى ذرى العاطفة الجياشة المشفقة والنفس الوجلة المغدقة. وبيّن الشيخ السديس أن المجتمع المسلم هو موئل التراحم والتلاطف والتعاضد والتعاطف الزاخر بمشارق الصالحات والنبل ومبارق الإنسانية والفضل، لا يثبطهم عن الحسنات تهويل، ولا ينزع بهم عن المعروف تأويل، وذلك هو الانتماء الصادق لخصائص هذه الأمة ومقومات وجودها. وكشف فضيلته أن لفعل الخير أنواعاً عديدة من نفح أزاهرها قوله تبارك وتعالى {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وقوله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ومن نبراس النبوة قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا). ودعا المسلمين إلى إغاثة الملهوف وبذل المعروف ونصرة المظلوم ومواصلة المحروم وتيسير العسير وجبر الكسير وإصلاح بين متخاصمين والترغيب في الخير والمساهمة في نشر العلم وإعانة المنقطع والإتقان في العمل وإرشاد الحائر والشفاعة في الخير وترك الشر وسماعه وكفالة اليتيم ومعالجة السقيم ومواصلة الأرحام والتعطف على الفقير والمساهمة في إنشاء مركز دعوي أو تأسيس صرح خيري وأن يكون قدوة في الأمة ومثالا حالا ومقالا.
وحذر إمام وخطيب المسجد الحرام الساعين في الشر والفساد والشقاق والعناد بأن جزاءهم بئس المهاد، الذين امتلأت قلوبهم حسدا وحقدا على رموز الأمة وقممها، وانطوت أفئدتهم على سوء ظن وطغيان، إنهم رأس الإثم والعدوان والبغي والبهتان، المتطاولون بالنكر في أطهر وأزكى الأعراض، عِرْض أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها المبرَّأة من فوق سبع سماوات، مَنْ أنزل الله فيها قرآنا وحججاً على العفاف وبرهاناً، ولكن الأفكة المأفونين يا ويحهم خروا عليها صما وعميانا.
وأورد فضيلته قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من أصول أهل الإيمان سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم»، أما أصول الشر والفتنة الدائبون على انتهاك المقدسات والاعتداء على المساجد والحرمات والتوسع في بناء المستوطنات وسلب الحقوق المغتصبات ومخالفة كل الأعراف والقرارات فإن الجبار جل جلاله لهم بالمرصاد، وإلى الله نرفع الشكوى ونبث البلوى من جرائم الصهاينة النكراء. وقال «يا أحبتنا في فلسطين، صبرا صبرا متوجا بتوحيد ووحدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وبنحوهم الذين يبوؤون بالإثم الكبير في تثبيط عمل الخير وثني رجاله دون الإقدام والاقتحام فيشهرون الريب والظنون والبهت والطعون صوب العمل الصالح الميمون ورجالاته وكفاءاته حتى تستوحشه الناس فيختل بزعمهم وينحل، ومن تسمع لهؤلاء كان أطف منهم في التخذيل مكيالا، وأخف في التشكيك مثقالا، ومبلغك الشر كباغيه لك». وأضاف يقول «ترى هؤلاء لا يكتؤون في التطاول على أهل الفضل في الأمة والسعي لتشويه صورتهم الآلاء وابتغاء العيب لهم وبث الشائعات المغرضة ضدهم والإجلاب بخيلهم ورجلهم في بث الفتنة وبعث الشرور وفرض الوصاية عليهم للتفريق بين الأحبة وقطع حبال المودة في الأسر والمجتمعات واستمراء الخصومات والنزاعات والدعاوى الكيدية والافتراءات». ومضى يقول: هناك طائفة أجلبت بشرور الإرهاب والمخدرات تعاطيا وتسويقا تهريبا وترويجا فاستهدفت الأمة في أعز ما تملك، في أبنائها وشبابها، وهلم جرا من ضروب الشرور وشرائح الأشرار لا كثر الله في الأمة سوادهم الذين لا يكبحهم إلا العزم والحزم والحسم. وقال «وفي عصرنا الحاضر تشرق في أفق العمل الخيري درة فريدة وتأتلق في العالم أجمع منارة عتيدة، ألا وهي مؤسسة خادم الحرمين الشريفين العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية، جعلها الله في موازين الحسنات ورزق مؤسسها أعالي الجنات». مشيرا إلى أن أهدافها النبيلة ومقاصدها الجليلة في خدمة الشريعة وبيان محاسنها البديعة ونشر الوسطية والاعتدال والحد من التفرق والتناحر والضلال وإسداء الخير في أبهى جمال بين بني الإنسان مهما شطت الأوطان وناءت البلدان مع تحقيق مبادئ العدل والخير والسلام وقمم الحوار والتسامح والإخاء والتكافل والرخاء، وفي صد الشرور عن المجتمع تأتي الإنجازات الأمنية والضربات الاستباقية المتميزة لرجال أمننا الأشاوس في كشف الستار والقبض بحزم وإصرار على خلايا الإرهاب وإحباط شبكات تهريب وترويج المخدرات ضد بلد الخير والمكرومات، وإن تلك الأعمال الميمونة لهي الترجمان الصادق عن خدمة الدين والإنسانية في أهدى سبيل وأقوم قيل مشفوعة بالعزيمة الإيمانية الوقادة التي تجمع شمل الأمة بل العالم تحت لواء المبار والمسار غير عيابة للمعضلات الداهمات أو غير الناجمات».