تسعى مصلحة الجمارك جاهدة لتنفيذ قرار بيع الديزل على قوارب الصيد التي تزيد أطوالها عن 16 متراً بالسعر الدولي، وهو القرار الذي بُني على مرئيات اللجنة المشكلة من وزارة البترول والثروة المعدنية ومصلحة الجمارك وحرس الحدود، الصادر في العام 1411ه لدراسة قضية الديزل. لم تهتم مصلحة الجمارك، ووزارة البترول بمصلحة الصيادين، «السوق، والمواطنين»، ما جعلها تُصدِر الأوامر الفورية لتطبيق القرار (المنسي) قبل تحديد آلية التنفيذ، وإن أدى ذلك إلى وقف سفن الصيد عن الإبحار!؛ واحتجوا في نقضهم طلبات الصيادين العادلة بنتائج اللجنة التي خلت عضويتها من وزارة الزراعة، المشرف والمنظم لقطاع الصيد والملم بجميع شؤونه الخاصة؛ المشكلة في العام 1411 ه على ما اعتراها من تحفظات منطقية من قبل المحايدين.
ربما غاب عن ذهن المتحمسين لقرار رفع سعر الديزل على الصيادين، أضراره على الوضع الاجتماعي، والاقتصادي للحرفيين من ذوي الدخل المحدود، وإنعكاساته السلبية على السوق المحلية، وأسعار الأسماك التي ستشهد ارتفاعات حادة نتيجة توقف سفن الصيد عن الإبحار لأسباب اقتصادية. تطبيق السعر الدولي على الحرفيين يعني القضاء على قطاع الصيد المحلي، وتعريض شريحة عريضة من ذوي الدخل المحدود وأسرهم لمشكلات اجتماعية، واقتصادية حادة، ويعني أيضاً دخولهم في مشكلات قانونية، ربما أفقدتهم أملاكهم الخاصة، نتيجة توقفهم عن سداد أقساط قروض صندوق التنمية الزراعي المستحقة لأسباب متعلقة بالملاءة المالية.
تدفع الدراسات المبالغ في نتائجها، والتي يفترض فيها العدالة والدقة، لتبني قرارات مصيرية قد تضر بشريحة عريضة من المواطنين، المستهلكين، وربما الاقتصاد، من حيث قَدََّرَ تحقيق المصلحة، وأعظمُ من ذلك انتصار اللجان المعنية بدراسة قضايا محددة، لوجهات نظرها الأولى وإن بدت لأعضائها معلومات جوهرية أُخرى تُضعف نتائج الدراسة، وتُرجح رأي المُتضررين.
اللجنة الحكومية المشكلة لدراسة قضية الديزل في العام 1411هـ؛ والتي أُعتُمِدَ عليها في رفض مطالب الصيادين الحالية لم توفق في التوصل إلى المعلومات الدقيقة من مصادرها، وربما ساعد استثناء وزارة الزراعة، المعنية نظاماً بقطاع الصيد البحري في المملكة إلى ضعف النتائج التي بُنيت عليها توصيات القرار المزمع تنفيذه اليوم. تعتقد اللجنة في دراستها أن أطوال أكثر القوارب في موانئ الصيد تتراوح بين 12 - 16 متراً، ولعل اللجنة خلطت بين القوارب التي تعتمد على وقود البنزين، والقوارب الأخرى التي تستخدم الديزل، فغالبية قوارب الصيد المستخدمة للديزل تزيد أطوالها عن 16 متراً، وسجلات إدارات الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة تؤكد ذلك؛ ويمكن القول تجاوزا، أن ما توصلت إليه اللجنة، برغم خطأه، قد يتوافق مع زمن تشكيل اللجنة العام 1411، إلا أن الاحتجاج به مع نهاية العام 1431 هـ أمر غير مقبول من الناحية العلمية والواقعية. استشهد بميناء صيد الأسماك بالجبيل، حيث بلغ عدد القوارب المستخدمة لوقود الديزل فيه 381 قارباً، منها 321 تزيداً أطوالها عن 16 متراً وتقل عن عشرين. أما الستين الأخرى فأطوالها تقل عن 16 متراً، ويرجع سبب ذلك إلى أن ملاكها قاموا بتحويل رخص قواربهم السريعة ذات المحرك الخارجي (طراد) إلى قوارب صيد بمكائن داخلية فاشترطت عليهم إدارة الثروة السمكية الالتزام بأطوال محددة وهو ما نتج عنه ظهور هذه القوارب الصغيرة.
أشارت اللجنة إلى أن ملاك قوارب الصيد هم من المؤسسات الفردية والشركات، وكأنها أرادت توجيه النتائج المتوقعة واستصدار قرار بيع الديزل على الصيادين بالسعر الدولي؛ والحقيقة المثبتة رسمياً أن جميع ملاك قوارب الصيد الحرفي المتضررين من القرار، هم من الأفراد الحرفيين، ويحملون بطاقات رسمية (رخصة صيد) من فئة (حرفي)، وهو ما يتناقض مع ما توصلت له اللجنة وأدى إلى إصدار قرار رفع سعر الديزل على الصيادين الحرفيين.
بِلُغَة الأرقام يبلغ الاستهلاك التقريبي لقوارب الصيد الحرفي و المقدرة بـ 1500 قارب على مستوى المملكة 3500 برميل يومياً، وهو حجم ضئيل لو تمت مقارنته بالاستهلاك الكلي للديزل، أي أننا نتحدث عن قطاع حيوي يُسهم في تحقيق الأمن الغذائي، يستهلك ما قيمته 50 مليون ريال سنوياً من الديزل!، أعتقد أن تكلفة إصدار القرار أكبر بكثير من عوائده المتوقعة، وأجزم بأن التعرفة الجديدة تتعارض في مضمونها مع فلسفة الدعم الحكومي الذي يقدم المليارات لقطاع الصيد البحري.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM