علماء الإدارة ومهندسو الأنظمة البشرية في كل الحضارات وصناع القرار المهتمون بتكريس ثقافة (البقاء للنظام) يقولون: «الرقابة والرقابة ثم الرقابة»؛ لنضمن سلامة تطبيق الأنظمة مهما كانت دقيقة وواضحة؛ لذا لا ينتشر الفساد إلا بغياب السيدة «رقابة»، خاصة.....
.....في الدول النامية؛ لذا يطالب الكثيرون برفع شعار رقابي جديد: (تحت المجهر)، هذا الشعار يدعو ببساطة إلى إخراج المجهر من المختبر المعد لفحص تطبيق النظام إلى الميدان ووضع كل حادثة تمس المواطن تحت المجهر؛ حتى لا يكتفي المسؤول باكتشاف وجه التقصير في تطبيق النظام فقط، بل إن «تحت المجهر» إضافة إلى تمكينه من معرفة ظروف بيئة ولادة الخطأ أو القصور أو الفساد التي سمحت بصناعة الخلل في أي مكان وزمان سيمكنه أيضا من معرفة ملابسات القصور وعدم المواكبة مع التغيرات.
وهنا بعض «الحوادث» التي أزعجت شريحة من المواطنين من هنا وهناك على امتداد الوطن:
- ضبطت فرق طوارئ صحة البيئة (بوفيه) يقوم بإعداد وبيع الوجبات الغذائية في سوق الخضار بالربوة شرق الرياض، وأغلقته على الفور لمخالفته شروط عقد الاستثمار. وهنا أرفع شعار (تحت المجهر)؛ لعل المسؤول عن صحة المواطن يرى أبعد من ذلك البوفيه؛ حتى لا يكتفي بقرار الإغلاق فقط!!
- وصل هو وزوجته إلى مطار الملك خالد بالرياض قادمين من أستراليا. عند وصولهما الصالات الدولية أخذا العفش، وذهبا إلى الصالة الداخلية، حيث إن لديهما حجزاً على (السعودية) من الرياض إلى القصيم. وقف في طابور شحن العفش أكثر من ساعة، وقطع له الموظف كارت صعود الطائرة، وعندما نظر إلى الكارت لم يجد فيه رقم البوابة، وصدم بأنه أيضاً بلا حجز!!. إنها دعوة ليضع مسؤولو الخطوط هذه الحادثة (تحت المجهر)؛ لعلهم يرون بيئة الخطأ وظروف التجاوز في حق المواطن!!!
- فوجئت مسنة في تبوك بمخالفة مرورية حررها ضدها مرور جدة؛ لعدم ربطها حزام الأمان، وكان ابنها قد راجع إدارة جوازات تبوك بهدف استخراج جواز سفر لوالدته لنقلها للعلاج في الخارج، ففوجئ بأن عليها مخالفة حُرّرت في جدة التي لم تزرها العائلة قط. وهنا أسأل: متى يضع المسؤولون هذا الخطأ «تحت المجهر»؛ لعلهم يعرفون البيئة التي سمحت بولادة هذا الخطأ وغيره في حق المواطن.
- أحبطت دوريات الأمن بالرياض بيع شحنة من الكيابل النحاسية المسروقة من إحدى الشركات، وضبطت 4 من العمالة الآسيوية يقومون بعملية تحميلها على شاحنتين، إحداهما تتبع للشركة المسروقة بحي طويق في منتصف الليل. وقبل تحويل المقيمين لمركز الشرطة للتحقيق معهم لماذا لا نضع هذه الحادثة (تحت المجهر)؛ لعلنا نرى أشياء وأشياء أبعد، ولنتوصل - أيضا - إلى ظروف البيئة التي سمحت لبذرة الفساد أن تنمو وتترعرع، على يد هذه العمالة الجشعة!!!!
أخيرا:
(تحت المجهر) - في نظري - أسلوب إداري حديث يجعل المسؤول لا يكتفي بمعالجة الخطأ المجرد، بل إنه يغوص في أعماق الخطأ؛ ليجتثه من الجذور، ويضمن عدم تكراره بشكل آخر.
إن (تحت المجهر) فلسفة إدارية حقيقية تسعى بجد إلى تجديد حياة النظام في قلوب الجميع، وتضمن - بإذن الله - محاصرة الخطأ وتجفيف الفساد ،أيا كان!!!
وقبل الختام دعوني أعترف: إن هذا العنوان «تحت المجهر» من وحي جوال منطقة الرياض.