مذكنا صغارًا وتوجيهُ الكبار لنا ألا نغرقَ في جدليات « السياسة والرياضة «؛ فلن نستطيع الإقناعَ ولن نملك الاقتناع، وقد نفقد صديقنا الأقرب، مثلما نُضيع أوقاتنا الأثمن، والناتج أن «الهلالي» لا يتحول إلى « نصْري «، كما لا يصبح القوموي إسلامويًا.
- حكمة لم نعِها، ولو فهمناها، لنظل في تيه الحوار الذي تسكنه الأمة على مدى حُقَبها؛ فقد بقيت « الفِرق» التي أحصاها « محمد عمارة « في كتابه (تيارات الفكر الإسلامي - دار الوحدة 1985م): «مئة وثمانيًا وتسعين فرقة «في ازدياد؛ مدللاً على أن حديث افتراق الأمة إلى «ثلاث وسبعين فرقة» حديث آحاد يتصادم مع دلائل أخرى أكثر موثوقية؛ ما يجعله غير مصدقٍ به.
- بيننا وبين كتابه مسافةٌ أعتمت بجديدٍ من الفرق ومزيد من الفرقة، وكما سهولة تأسيس أنديةٍ رياضية وصعوبة دمجها، وربما استحالته، يجيء التشظي « العَقَدي « والسياسي « مؤذنًا بشقاق لا تراجع عنه بين العامة، وبمشروعات خفية يعمل لها النخب، وتبقى الجماهير وقودًا لا ينطفئ، وهنا الفارق بين من يُؤجِج ومن يلجلج.
- في الصمت لغةٌ لا يملكها الصوت، وقد تُبح الحناجر؛ فيهنأ الصامتون، ويعيا الصارخون، وترتد المزادات العلنية ببوارِ العَرْض والعارض، وتحقق الصفقات « السرية « مكاسب ومناصب.
- قاعدة يركن لها التاريخ في مسيرته؛ فلا يفطن إليها الجمهور المسكونُ بالشعار، ولا يملك غير حناجره وطناجره يستنزفهما، وحين تكل اليدان يكل البدن، ثم يودع حياته ولم يكمل تقويم براجمه وإصلاح بناجره، ويخلف جيلاً يرث النواح، ويطمئن الفاعلون إلى سذاجة المفعولين، وينكسر الصراخ وينتصر الصمت.
- للتاريخ مساراته التي لا تضل، وفتراته النورانية استثناء التأكيد؛ فلا يُرتهن لها ولا يقاس عليها، وإذا خرجت تلك من المعادلة فلا يبقى غير المصالح تسود وتقود، ولم تُعهد تلك معنيةً بالقيم أو القمم.
- ربما كان جيلُنا الأكثرَ تعرضًا للتوجيه المباشر؛ امتدادًا لصراع الناصرية والإخوانية الشرس آنذاك حين بلغ ذروته بإعدام « سيد قطب «- عليه رحمة الله - (1966 م)، وكان صاحبكم في عقده الأول؛ غير أنه رصد -بحكم التصاقه بوالده المنتمي للجماعة المتعلمة - كيف امتد الصوت حاجزًا بين فريقين؛ فلم يسمعا غير ثوابتهما المؤسسة على مرئياتهما لطبيعة الصراع بين «الحكم والحاكمية».
- ليتنا وقفنا عند ذلك النقاش الصاخب الحميم؛ فرغم علو نبرته بقيت القِبلةُ والتقبل جامعة مانعة، ثم عشنا لنشهد الفئويين بخطوط الطيف يوقدون الطائفية فيوشك ضِرامها أن يشعل فتيل الانفجار في منطقة ملتهبة مسكونة بالعداوات بين ذوي المذهب الواحد فضلا عن المذاهب المتناحرة، وهنا معضلة استعداء الشارع واستعلاء المشرِّع.
- في تجربته الخاصة ربما كان من الندرة الذين عملوا في البرنامج الثقافي لناديي « النجمة والعربي « - وبينهما ما طرق الحداد -، وامتد ذلك سنواتِ صباه ومستهلً شبابه؛ فلم يقرأ في داخله - حتى يومه - ميولًا لهذا تغلب ذاك، وربما أثراه هذا الموقف « المتواضع « في توازن النظرة داخل الصراعات والتيارات؛ فما عَرف الحديًة وإن تمثل الانتماء، وربما جاز لنا أن نطلب من مسؤولي الأندية الرياضية- بعدما فشلنا مع مسؤولي التربية والإعلام - أن يزرعوا لغة التسامح؛ فقد تجدُ فيها الأجيال القادمة - منهجا عمليًا لتقارب المذاهب مهما تعددت المسارب والمشارب، وبه تفلت الجماهير من سطوة الشعارات والمشاعر.
- الوعيُ مقدمة التغيير.