لا أبالغ، إن قلت: إننا اليوم بأمس الحاجة - أكثر من ذي قبل - إلى ترشيد الخطاب الإسلامي، وبث المفاهيم الصحيحة ك «الاعتدال والوسطية»، وتحذير الأمة من مفاسد التشدد والتطرف. وذلك، من خلال عدة وسائل مختلفة:
كمنبر الجمعة، والندوات الدينية، والمحاضرات الثقافية. - إضافة - إلى الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة؛ لنغرس في النشء مثل هذه القيم الصافية، ويكونوا سياجا منيعا ضد كل أشكال الغلو والعنف والتطرف في خضم التيارات المختلفة، التي نراها على أرض الواقع، ونتلمس آثارها، والقضايا الناتجة عنها.
رعاية - سمو الأمير - نايف بن عبدالعزيز، ندوة: «الاعتدال السعودي» في جامعة الملك عبدالعزيز، دليل حرص على دعم ونشر ثقافة الاعتدال والوسطية، وهي تعكس - بلا شك - صورة الإسلام الحقيقية، وتستنهض مبادئه القيمة، - لاسيما - وأن العالم الإسلامي يواجه - منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر - تحديات فكرية وثقافية؛ لتشويه صورته، والتنفير منه؛ من خلال رمي أتباعه بمصطلحات موهومة، وألفاظ مشبوهة.
بالتأكيد، فإننا لا نحتاج اليوم أن نبرهن على: أن الإسلام دين الاعتدال والوسطية، وأنه بعيد عن الإفراط والتفريط، أيا كانت أسبابه ودواعيه. فهذه الوسطية تبرز فيما يتعلق بمنهج التشريع، عن طريق التحليل والتحريم - بمصدريه - الكتاب، وصحيح السنة. ومثله، فيما يتعلق بمنهج النظر والاستدلال، عن طريق الموازنة بين مصادر التلقي والمعرفة، والموافقة بين صحيح المنقول وصريح المعقول، ورعاية المقاصد الكلية، واستجلاء القواعد الفقهية، وتحقيق المصالح ودرء المفاسد. وستبقى هذه الوسطية في شتّى مناحي الحياة، مهما تطرف أتباعها، وغالوا في فهمهم لهذا الدين. فدين الله وسط بين الغالي فيه، والجافي عنه.
إن جاز لي أن أختم بشيء، فهو التأكيد على: أن الاعتدال هو منهج الأنبياء وأتباعهم، ومنهج السلف، - خاصة - بعد ظهور الأهواء والافتراق. بل هو أحد المرتكزات العامة للإسلام، التي ميز الله بها أمته عن غيرها. قال - تعالي -: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا». وقد جاء في المعجم العربي: «أن الاعتدال مشتق من العدل، بل هو إقامة العدل، ومن معانيه: التوسط والخيرية». وهو ما ورد به تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - لأية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}. ولن نكون شهداء على الناس إلا بإبراز محاسن هذا الدين، وتجلية سماحته، ورعايته للمثل الأخلاقية العليا، والقيم الإنسانية الكبرى، فهل نحن فاعلون؟.