القرن العشرون الذي مضى شهد اكتشافين (اختراعين) مهمين غيرا ملامح الحياة في العالم، وهما تقنية الشرائح الصغيرة microchips ثم ظهر تقنية النانو الأخطر nanotechnology .....
..... وهي الاكتشاف الأحدث الذي سيغير ملامح العلوم والهندسة والطب في عالمنا البشري.
وتقنية الشرائح الصغيرة لم تكن معروفة كثيراً قبل الحرب العالمية الثانية، ولكن النصف الثاني من القرن العشرين شهد تحولات تقنية كبيرة كان بطلها وسيدها تقنية الشرائح الصغيرة التي جاءت نتيجة اختراع ما يسمى بالترانزيستور، فقد دخلت هذه الشرائح في جميع الصناعات الإلكترونية التي نتعامل معها اليوم من أجهزة تلفزيون وراديوهات وساعات رقمية وأجهزة جوال وغيرها من الصناعات الدقيقة، التي هيأتها اختراعات متتالية أو تطوير صناعات كانت قائمة.
أما الحدث الأهم في تاريخ البشرية والذي لم يكتب بعد نتائجه بشكل واضح، ولكنه في الطريق إلى تغيير وجه وملامح الحياة المادية التي نتعامل معها فهو تقنية النانو.. والنانو هو دراسة تقنيات ووسائل جديدة تقاس بحجم النانو الذي يمثل صغراً هائلاً في تكوين المواد. وتعنى هذه التقنية بدراسة خواص المواد لإعادة ترتيبها بطريقة تهيئ لصناعات صغيرة الحجم قوية التأثير.
ولتوضيح صغر النانو فإن النانو الواحد يعادل خمسين ألف حجم الشعرة الواحدة التي تكون بين أيدينا. ورقمياً وللتوضيح أكثر فإن المتر الواحد يعادل مليار نانو. وللتوضيح أكثر فإن معادن الذهب أو الفضة أو النحاس أو الحديد أو غيرها لا تتغير خواصها عندما نقسم هذه المادة إلى أقسام صغيرة، فتظل خواص الصلابة أو التوصيل أو الانصهار وجميع الخواص الأخرى لا تتغير.
وإذا استمرينا في تقطيع هذه المادة إلى أجزاء أصغر فتستمر الخواص إلى أن نصل إلى حجم النانو - منتهى الصغر للمادة الأساسية - فعندها تتغير جميع خواص المادة الأساسية التي كنا نجدها في نفس المادة ولكن بأحجام أكبر.. ويأتي ذلك إلى أن التفاعلات الكيميائية تتغير إلى شي جديد وهو ما يطلق عليه بعمليات أو تقنيات النانو، الصناعة الثورية في العالم.
ومن التطبيقات المتوقعة في صناعة النانو صناعة سفينة في منتهى الصغر بحجم الذرة تدخل إلى جسم الإنسان وتجري عملية جراحية وتعود من حيث أتت. كما يمكن صناعة سيارات وطائرات وأسلحة عسكرية في منتهى الصغر وبفاعلية أكبر.. وقريباً ستدخل تقنية النانو في الحاسبات حيث يمكن أن يشكل نانو الذاكرة مساحة تعادل آلاف المرات ما تحتله مساحة ذاكرة الحاسب الحالية.
وبدأت منذ سنوات عدد من الدول والشركات الكبرى أبحاثها على تطبيقات النانو في صناعات معينة، ولكن تظل الصين وكوريا الجنوبية هي من أهم دول العالم التي تستثمر مليارات الدولارات في أبحاث لتطوير الصناعات على أساس استخدامات النانو. وتعد صناعة النانو فرصة أمام الدول النامية بشكل خاص لملاحقة الدول الصناعية الكبرى، رغم أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا تعمل بخطى سريعة على الاستفادة من هذه التقنية في صناعات جديدة وصناعات نوعية للمنافسة عليها في السوق العالمية.
وفي المملكة العربية السعودية، كان للدعم الذي وضعه الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل سنوات لثلاث جامعات هي جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد هو إيذانا بانطلاق أبحاث النانو في المملكة. وحققت المعاهد والمراكز التي وضعتها الجامعات نجاحات عديدة في أبحاث وتطبيقات مختبرية داخل هذه الجامعات. كما أن ثقافة النانو قد بدأت تنتشر بشكل أقوى داخل المجتمع وبدأت مثار اهتمام الباحثين ومراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية بالوجه العام.
وغداً الأحد في لحظة تاريخية في الساعة العاشرة وعشر دقائق في يوم العاشر من الشهر العاشر من عام 2010م سيضع الأمير مقرن نيابة عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز وضع حجر الأساس لمبنى معهد الملك عبدالله لتقنية النانو بتبرع شخصي من رجل الأعمال الشيخ محمد بن حسين العمودي. ويعد علامة بارزة ضمن المنشآت الاستراتيجية لجامعة الملك سعود. ويعد هذا المعهد رغم حداثة تأسيسه من أهم المعاهد في المنطقة، حيث يشارك في مجلس إدارته ثلاثة من الحائزين على جائزة نوبل إضافة إلى باحثين عالميين من مراكز وجامعات عريقة في بحوث النانو.
ودخول المملكة إلى عالم صناعة النانو يعد ربما من أهم الإنجازات العلمية التي تحققت في تاريخها، نظراً لما يمكن أن يحققه هذا الدخول من ريادة ومسبوقية بين كثير من دول العالم في صناعات النانو. وهناك حمى تجتاح مراكز أبحاث النانو ومراكز البحث والتطوير في الشركات الكبرى في العالم فيما يخص تطبيقات الصناعة الجديدة التي بدأت تركز على النانو. ولا شك أن القرن الحادي والعشرين سيكون هو ذلك القرن الذي سيشهد فيه العالم ميلاد حضارة جديدة بفضل ما وهبه الله للناس من معرفة بهذه التقنية النوعية.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود