ما أن يعلن الطبيب أن رحم الأم يبشر بقدوم مولود جديد إلا وتستبشر الأسرة بهذا الحدث مبكراً وتبدأ من توها الاحتفالية لاستقبال العدد الجديد في قائمة تعداد العائلة، لا يمكن للأب والأم أن يحتسباه غير رقم جديد وإنسان له حق الرعاية، كما لا يمكن لهما التخمين كيف سيكون هذا المولود؟ هل سيصبح مقاتلا ً صنديداً وبطلاً عنيداً في ساحات الوغى على ثغور الوطن، أم سيكون مهندساً أو طبيباً، أو مزارعا نشيطاً، أم سيخيب آمال والديه ويضحي مفحطا شفيطاً ومغازلاً دجيجاً؟! أم أنها بنتاً وتكون معلمة تحمل كفنها في حقيبتها قبل التخرج تحسباً لحادث يحتمل أن يكون لها وزميلاتها في أقاصي الفيافي؟ وفي كل الأحوال فالوالدان يريان أن هذا الطفل يستحق حسن الاستقبال والضيافة، وهذا حسن ومبهج للجميع إذا كان في حدود المعقول والممكن من التكاليف دون بذخ ومبالغة لا سيما من محدودي الدخل، غير أن المشاهد من احتفاليات استقبال المولود الجديد يدعو للقلق والخشية من اتساع رقعة التباهي بالاستعداد لاستقبال الطفل السعيد التي بلغت حدوداً لا تطاق في بعض الجهات ترهق كاهل الأب غالباً كونه المتعهد الأول بالمصاريف يضطر للاستدانة أو القروض البنكية علاوة على ما يرهق كاهله من ديون سابقة إبَّان الزواج, وقد تكون الأم قادرة على المشاركة أو تحمل أعباء تكاليف الاستعدادات المبتدعة لهذه الاحتفالية لكن هذا لا يكون مبرراً للتمادي في الإسراف.. ولائم دسمة عامرة بالزفر والحلويات والفاكهة، وتستمر المآدب عند البعض (وفي بعض المناطق كعرف أخذ يستشري بين الأسر) لعدة أيام تبدأ من ساعة الولادة، والمأدبة الكبرى تحييها فرقة شعبية بالعرضة والأهازيج للرجال، وللنساء مراسم احتفالية تناسبها مع فرقة الطقاقات والديجيه، وعُلم من مصادر وثيقة أن بعض الأُسر تجهز في الليلة الموعودة للاحتفالية الشاملة هدايا خاصة للعديد من النساء والأطفال من قطع ذهبية رمزية وعطور وألعاب وعلب الحلويات والمكسرات، مع أن المناضد زاخرة بما لذ وطاب، غير أن التباهي قد يبلغ مدى جامحاً في بعض النفوس التي لا تلبث أن تنكسر وتتحسر بعد انفضاض وتفرق الجمع وإطفاء الأضواء وسكون سويعات الفجر وسريان التفكير بالعواقب في وجدان المتباهي المزهو بحفلته قبل سويعات؛ من أين وكيف ومتى يسدد هذا الدين؟! ولماذا ولمَ وكيف (مرة أخرى) فعل هذا؟! إنها النفس الأمارة المطالبة بما فوق طاقة صاحبها، التي لم تستجب لنداء عقله واستجداء قلبه بأن يلتزم الوسطية في أمره والواقعية في إمكاناته؛ هل أتاكم حديث من يعمد إلى إعادة دهان منزله وإعداد صالون للأم والمولود مزخرف بالفرش المميزة، مع سرير للطفل يفصل بتصميم ملفت ويختلف عن كل سرير تمت مشاهدته سابقاً لدى الأسر الأخرى، وكأن المسألة ليست احتفالاً بالمولود بقدر ما تحمله وتتضمنه من تبارز وتراشق بسهام الموضة والتزاين بين النسوة مآله إلى تراشق بين الزوج والزوجة بسهام الاتهامات فيما بينهم أيهم السبب في هذا الانحدار الاقتصادي والانهيار في ميزانية الأسرة وتراكم الديون.
