البيان الذي صدر عن وزارة الداخلية, وتناقلته الصحف، وتصدّر الأولى في جريدة الجزيرة، يوم أمس الأول الخميس, عن عملية التهريب الكبرى، التي شملت 210 رجال، منهم 113 سعودياً, وتوزعت 12 دولة بقية العدد، وتضمنت تهريب مخدرات، بمبلغ 33 مليون ريال سعودي... وقد أحبطها الوعي، والحذر, والتمكن, والقدرة، والتأهيل بما تتميز به كفاءة الأمن الوطني, وتحديداً في مواجهة كل ما يُقصَد به إنسان هذه البلاد, ومن خلاله البلاد كلها، وإلا، ما معنى أن يُمهِر المهربون, في أساليب التخزين حداً يفوق الخيال، ويطمئنون لحيلهم, حدّاً يُضخم من كميات مواد التهريب، ويطمعون في المقابل المادي الكبير..؟
فمن المستهدف في هذه العملية ومثيلاتها..؟
ما المقصد من وراء ربح هذه وسيلته..؟
ومن المستهدف بالتخدير والإدمان؟
ومن المستهدف بالاستنزاف المادي والصحي..؟
أليس الإنسان.. الممثل بفرد في هذه البلاد..؟ هذا العنصر المكون للمجتمع..؟ هذا الذي يخطو الآن بكل عزم، في مضامير نهضته العلمية, والمعرفية، والتدريبية، والتكوينية، ليكون الأقدر على البناء, والأمكن عند الإنجاز، والأقوى عند مواجهة تحديات التطوير, والتحديث, والمواجهة, لكل ما يتصدى لقيَمه, ومثُله، وعقيدته..؟ إذ حين تتسلل إليه هذه الأدواء, وتفتك بقواه، هل سيبقى قادراً على التحدي والنجاح..؟ لكنها عندما تتسلل، وتنتشر، فأول ما يتهاوى فيه عقله، ويظلم فيه وعيه... ويطمس فيه إدراكه، وحين يتعطل فيه كل هذا، فلسوف تتوقف كل خطط تنميته، وما حوله، ونجاحاته, ومن معه، وقفزه نحو حياة أكثر فاعلية وأثمن حصاداً..
فحين تسري أدواء المخدرات، في مجتمع فإنه هالك لا محالة, بهلاك عقول عناصره البشرية، ومن ثم يتدهور بناؤه المادي، وعماره الشامل، ناهيك عن ضياعه الأخلاقي وفساده العام..
فمن الذي يريد أن يفتك بمجتمع هذه البلاد..؟ ما هو الهدف من جعل المملكة العربية السعودية سوقاً سوداء لهذه المواد, ومن ثمة مرتعاً لكل الأمراض الناجمة عنها.. إن قُدِّر لأي محاولة شبيهة والعياذ بالله أن تمرق..؟
إنه من خلال تخطيط دخول المخدرات على هذا النحو من مهارة الإعداد, والتعبئة, والتموين، ورصد هذا العدد من المشاركين في عمليتها، التي فشلت في الدخول وأُحبطت، عن التنفيذ، وحُرمت من التسويق، وباءت بالخيبة في التمكن من سريان موادها في دماء الأفراد، وبالتالي في حصد ما خُطط لها من مقابل السعر المُربح... كان الهدف, هو تدمير كل خطة لنجاح, وفلاح، وتقدم، وتوعية، وتعليم، وصحة، واقتصاد المجتمع، والأبعد تدمير خطط التنمية لهذا المجتمع وأبنيته، هذا الذي يتضح، من خلال من رسم بأن يكون الضحية كل من يتعاطى ما احتوته من مواد مخدرة... ومن ثم بهذه الكمية فإن المستهدف المجتمع جلّه، أو غالبيته.
المؤلم أن يكون العدد الأكبر من أصحاب هذا الفكر التدميري, بل الفعل المجترئ، هم ممن ينتمون بالهوية لهذا الوطن، وهنا تقف أمانة الوطن دروعاً شائكة في مسارهم، ونبالاً تتصدى رقابهم، فهم مفسدون في الأرض، مخططون لقتل النفوس، وإعلال العقول... وتدمير الوطن..
أكيد أن ما وراء هذه المحاولات تقف نوايا مظلمة فاسدة... تجعل من الحذر مهمة كل فرد، وترمي على كاهل الجميع، من آباء وأمهات، وأعضاء في مؤسسات هذه البلاد، مسؤولية الحماية، ولا توقفها عند حدود أفراد الأمن الرسمي، ورجال المكافحة أو التصدي... بل إنَّ كل فرد، من مسؤوليته التحري فيمن وما حوله، والتنبه واليقظة في محيطه القريب... والتضافر مع الجهات المسؤولة بكل أريحية، فالمهمة ليست تستهدف فئة بعينها، ولا مؤسسة بذاتها، بل تستهدف الجميع... من أجل ذلك لا بد أن يتحول الجميع لجنود بجوار الجنود، ولأمن بجوار الأمن، ولأعين لا تنام، ولحس لا يرقد، ولضمير لا يركد...
أما ما فعلته وزارة الداخلية، بكل فرد فيها من وزيرها الساهر، إلى غفيرها المناوب، ومن التحري الدقيق, إلى رجل الميدان المشمر، ولمن تصدى بصدق, وجابه ببسالة، ولمن مات بفداء للواجب، أو جرح صبراً على واجب، فهو عمل مسؤول، من رجال مسؤولين...
فالمسؤولية لا تعيش إلا في الصدور ذات الضمائر, وفي الكفاح ذي الإيمان، وفي النزول للميدان بلا تردد، وبوضع الروح بين الإصبع والزناد، فهي تاجٌ، جزاؤه في الدنيا نجاح، ونتيجته أمن، وأمان, من مدرج المطار, لآخر حدٍّ ترابي, بين حدود الوطن، وحدود الجيران، وجزاؤه في الآخرة، نور بين يدي الله الكريم، الذي وعد ولا يخلف موعده, نتيجته، الأجر العظيم، بجنات النعيم.
يستحقون التحية.. فهم مفخرة، يستحقون الدعاء فهم دروع..
ولعل أول ما على الجميع أن يفعله، بعد الحمد لله رب العالمين, لمنجاته هذه البلاد من كل داء وبلاء، أن تكون لكل واحد في الوطن، عيون في جسده, سمعه, ورأسه، وبصره، وبصيرته... من أمامه ومن خلفه، وعن جانبيه، ليكون عوناً للأمن، معيناً على النجاة..
وللجميع، أن يرفعوا الأكف بالدعاء، لرجال الأمن وشهدائه.. ويحيُّوا بصدق، من كانت له حكمة المكافحة، وقوة المواجهة، وقدرة الانتصار..
حفظ الله البلاد والعباد، ومكَّن للمسؤولين معاقد النصر، في كل وقت وحين.