المعرفة (قوة) هكذا يراها فرانسيس بيكون، وأستاذي البرفيسور تشارلي بكسلر يؤمن بأن المعرفة (عملة). وكاتب هذه السطور فيعرفها بأنها (طاقة) أو (knowlergy) والتي هي مزيج بين كلمتي معرفة (knowledge) وكلمة طاقة (energy) ولعلها الطاقة الأهم والتي ستبدأ المملكة بتصديرها من مصافي العقول كمصفاة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا.
المعرفة بالفعل (قوة) تتباهي بها الدول الصناعية والبحثية، وهي لاشك أيضاً (عملة) عولمية يتبادلها ويتداولها الدول المتقدمة معرفيا.
وهي (الطاقة) المحركة لعجلة التنمية الفكرية والثقافية.
فالمعرفة طاقه متجددة لا تنضب، وتتوالد بالاستهلاك وتتوسع معانيها بالتبادل والمشاركه.
ولهذا يكون ناتج استعمال المعرفة بعد حرقها -تحليلاً وتفكيراً- هو فكرة قد تتعاظم لتصبح ابتكاراً أو حتي اختراعاً.
والمعرفة -من وجهة نظري- كالنفط لا يمكن الاستفادة منها إلا بالتكرير والتنقية. والتكرير المعرفي يكمن في استخلاص العبر والنتائج واستشفاف الحكم والفوائد. ومصدر خام المعرفة هو التفاعل الفكري بين المعلومات والبيانات مضافاً إليها محفز الخبرة.
المعرفة والنفط مصدران مختلفان للطاقة، فكلاهما يحتاج للتنقيب والاستكشاف والبحث، وكلاهما يحتاج للتكرير والتنقية للوصول لمنتجاتهما النهائية، فيكون المنتج النهائي في حالة المعرفة بعد عملية التنقية والتكرير الفكرية في معمل التطبيق العملي هو القيمة والفائدة.
ومن أهم وظائف التكرير أو التنقية المعرفية هو تحويل المعرفة الضمنية الخفية إلى المعرفة الصريحة الواضحة من خلال التنقيب في حقول العقول لاستخلاص الخبرات المتراكمة عبر السنين وتحويلها إلى تجربة متاحة للجميع.
نعم المعرفة هي طاقة أو وقود قطار التنمية السعودي، والذي أعادت القيادة تصميمه لكي لا يتوقف بعد نفاذ الطاقة الأحفورية، فأصبح هذا القطار يعمل ببدائل غير النفط من أهمها وقود أو طاقة المعرفة، وهو ما سيضمن تسارع هذا القطار للوصول بنا -بإذن الله- إلي محطات وصل إليها العالم.
إن المعرفة هي اللبنة الأساسية في اقتصاد المعرفة والقيادة الألمعية أدركت أهمية الاستثمار فيها سريعاً.
لذلك كان الاهتمام بالاستثمار في المعرفة من رأس الوطن، فحلم المليك هو أن نتحول لمجتمع معرفي.
الاقتصاد العالمي الحالي هو اقتصاد معرفي بحت، البقاء فيه لم يعد «للأقوي» بثرواته الطبيعية، بل أصبح البقاء فيه «للأعرف»و»الأعلم» بابتكاراته وصناعاته واختراعاته.
ولاشك أن اختيار طريق الاستثمار في المعرفة هو البديل الأمثل وهو مايؤكده صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله آل سعود وزير التربية والتعليم بقوله «إن الاستثمار في المعرفة هو الخيار الإستراتيجي للمملكة وليس لدينا خيار آخر».. هذا التحول المعرفي الإستراتيجي للمملكة يتطلب تفاعلاً فلكي السرعة من جميع القطاعات دون استثناء الشعب، ويجب أن تكون الرؤية والأهداف المشتركة مرتبطة بوحدة وثقى تتجه صوب المجتمع المعرفي.
هنالك مجموعات وطنية تولي لشأن اقتصاد المعرفة اهتماماً كبيراً وبدأت في رسم إستراتيجيات ومبادرات وطنية تعنى باقتصاد المعرفة، كمجموعة الأغر والجمعية العربية لاقتصاد المعرفة، ولعل الجميع يتفق أن من أهم ما يمكن عمله ابتدأ هو التأسيس لكيان معرفي يرتبط بالقيادة مباشرة ويقوم بعملية تنظيم وتشريع وتنسيق ومتابعة تنفيذ الإستراتيجيات المتعلقه باقتصاد المعرفة.
فمجموعة الأغر اقترحت من خلال إستراتيجية المملكة العربية السعودية بالتحول لمجتمع معرفي إطلاق الصندوق السعودي الإستراتيجي للتكنولوجيا والابتكار، كما نادت أيضاً بإنشاء صندوق التنمية المعرفية بحيث يكون من ضمن ما يقوم به هذا الصندوق هو شراء الملكية الفكرية واستثمارها عالمياً، هذا بالإضافة إلى الاستفادة من المدن الاقتصادية الجديدة كمدينة المعرفة في المدينة المنورة لتصبح نواة لجذب الصناعات المعرفية ومراكز الابتكار.
واقترح منتدى الرياض الاقتصادي أن تكون هناك هيئة عليا أو مجلس أعلى للاقتصاد المعرفي وهو أيضاً اقتراح تنظيمي هام، كما نادى أيضاً معالي الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود بتأسيس صندوق لتنمية الاستثمار المعرفي السعودي وذلك لجعل الشركات السعودية الناشئة أكثر رشاقة للتنافس العالمي والتي تعتمد علي المعرفة كمنتج أو خدمة تقدمها لها وهو اقتراح مميز ومساند يستدعي الاهتمام.
لابد من هيكلة الاقتصاد المعرفي بشكل منهجي على مستوي الوطن، وهذا يتطلب المساهمة الجادة من جميع الوزارات ومراكز الأبحاث ومؤسسات التعليم وخاصة الجامعات وذلك من خلال وضع إستراتيجة تكاملية واضحة المعالم تقود إلى تطبيق عملي مستثمرة جميع الإمكانات -وهي كثيرة- لتكون المرادف وربما البديل مستقبلاً لاقتصادنا.
وعوداً على بدء، فيلقي السؤال الأهم بظلاله فهل هذا الكيان الوطني المعرفي يتطلب وجود هيئة عليا أو مجلس أعلى أو لجنة وطنية أو حتي وزارة؟.. نعم وزارة فكوريا
الجنوبية على حسب معرفتي هي الرائدة في العالم بإنشاء مثل هذه الوزارة والتي سميت بوزارة اقتصاد المعرفة والتي من أهدافها تحويل كوريا لمجتمع معرفي.
ولعل أفضل من يجيب علي ذلك التساؤل الجوهري هو معالي وزير اقتصاد المعرفة الكوري والذي أجاب عليه وعلى أسئلة أخرى خلال حديث لي معه سيكون من محتويات المقال المقبل والذي سوف أطرح فيه بعضاً من المقترحات التي تتعلق بالمعالم الأساسية لإستراتيجيات اقتصاد المعرفة.
* مستشار أداء المنظمات لقطاع الأعمال في أرامكو السعودية