لم يشأ الراحل الجميل غازي القصيبي إلا أن يودعنا برواية أو بأقصوصة كما سماها بعنوان: «الزهايمر».
كان الراحل يعمل في هذا النص قبل مرضه اللعين الذي أوقفه عن الكتابة، لكنه عجل بها بالنشر، غير أن الموت كالعادة كان أسبق، لذلك نشرت وتقرأ الآن بالرغم من أن مؤلفها لم يرها.
الأقصوصة هي عبارة عن رسائل من زوج إلى زوجته يخبرها عن إصابته بمرض الزهايمر وعلاجه للسفر إلى أمريكا في إحدى المصحات.
في رسائله الأولى يقول البطل واسمه «يعقوب العريان» الذي يصبح في أمريكا باسم «جيكوب آريان» يقول: «إن هذا المرض أرستقراطي جدًا، وإن عددًا من الصفوة في الغرب قد أصيبوا به. وسأكتفي بذكر بعضهم: باري جولدواتر السياسي الأمريكي المعروف، وريتا هيوارث النجمة السينمائية العالمية، والمثل شارلتون هيستون، وجوليونا ملكة هولندا، وأشهرهم جميعًا الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان الذي قال: هذا مرض جميل!
تقابل الأشخاص أنفسهم وتظن أنك ترى وجوهًا جديدة كل يوم».
الغريب أن أكثر الرسائل يتذكر فيها أشياء عن طفولته ومراهقته وبداية شبابه وكيف تعرف على زوجته لأول مرة مع أنه مصاب بالمرض الذي هو باختصار «خلل في خلايا المخ، يبدأ بضعف الذاكرة ثم باختفائها وينتهي بالوفاة».
وفي الرسالة التاسعة يقول في بدايتها: «أليست الأشياء السيئة في طفولتنا سرّ العذاب الذي نعاني وطأته طيلة حياتنا، طبقًا للعم فرويد وحتى أعداء العم فرويد»، ويشرح كيف تتأثر الذاكرة بحوادث الطفولة وكيف أن نعمة النسيان لا تحل عليها.
في الرسالة الأخيرة يقول لزوجته «نارمين»: «الكرامة البشرية مرتبطة ارتباطًا عضويًا بالعقل البشري، إذا ذهب العقل ذهبت معه الكرامة».
والحمد لله أن الراحل الكبير رحل بعقل كبير من الصعب اليوم تفادي خسارتنا له.
albassamk@hotmail.com