حاوره / محمد آل راجح - الرياض
لا يقتصر نفع حافظ القرآن ومعلمه على صاحبه وحسب، بل يمتد إلى المجتمع بأسره نظاما وتكافلا وتربية وخلقا وانضباطا. فالفرد الذي يعلم القرآن الكريم نلمس في شخصه وسلوكه القدوة الحسنة، وفي لسانه الصدق والعدل، وفي تربيته المثل والقيم.. كيف لا وهو حامل لواء التربية الربانية في المدرسة والمسجد؟!
ولكي نستعرض جملة من تلك المعاني والقيم يسعدنا أن يحدثنا فضيلة الشيخ عبد العزيز الشهري إمام جامع حي النهضة بشرق الرياض عن تجربته مع القرآن الكريم وحلقات التحفيظ طالبا ومعلما. فمع نص الحوار.
متى كانت بداية حفظك لكتاب الله؟ وفي كم سنة أتممت حفظه؟
بدأت حفظ القرآن الكريم أواخر عام 1389هـ، وأتممت حفظه في ست سنوات.
لكل حافظ مشائخ تتلمذ على أيديهم، فمن هم مشائخك الذين أتممت حفظ كتاب الله على أيديهم؟
كثيرون ومن أشهرهم الشيخ محمد ذاكر، والشيخ محمود عمر سكر، والشيخ عبد الباري محمد «رحمه الله».
بدأت مشوارك التعليمي في مدينة الرياض، ففي أي مدرسة وأي جامع كان تلقيك للقرآن؟
بدأت حفظي في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الأولى، وأما المسجد فمسجد المرشد في حي الديرة.
متى انضممت إلى سلك التدريس؟ وبكم تقدر سنوات الخدمة؟
انضممت إلى سلك التدريس عام 1404هـ، وتقدر خدمتي بـ23 عاما تقريباً.
من خلال السنوات التي قضيتها في تحفيظ القرآن الكريم، كيف تجد الإقبال على حلقات التحفيظ سابقا وفي العصر الحالي؟
قضيت - ولله الحمد - في دراسة وتدريس القرآن الكريم قرابة الأربعين عاماً، قديما كان الإقبال عليها من كبار السن، وربما كانوا يأتون من القرى والهجر، بخلاف الوضع الحالي فإنهم يأتون زرافات ووحدانا، حتى أنك لتجد في المسجد الواحد عشرات الحلقات لا سيما الدورات الصيفية.
ما الأثر الذي انعكس عليك وعلى أسرتك من خلال عملك في حلقات تحفيظ القرآن الكريم؟
الأثر - ولله الحمد - ظاهر فالقرآن له دور أساس في تقويم كثير من الأخلاق وفي إصلاح الأنفس وتهذيب السلوك.. وما يحسه من أنه قدوة حيث إنه يحمل كتاب الله بين جنبيه مما يجعله يراقب حركاته وخلجاته أمام الله أولا ثم أمام الآخرين ليكون قدوة صالحة. وكذلك ما يجده قارئ القرآن من لذة يجعله يبذل تعليمه للآخرين لكي يجدوا هذه البركة والخير العميم. كما أن ذلك ساعدني أن يكون من أهل بيتي حفاظاً وحافظات.
كم لك من الأبناء أتموا حفظ كتاب الله؟
ستة من الأبناء ولله الحمد.
قدمت نجاحات تربوية كبيرة في تعليم أولادك وبناتك، فهل لك أن تحدثنا عن الطرق والأساليب التربوية التي اتبعتها حتى حققت هذا النجاح؟
الطرق كثيرة ومنها على سبيل المثال: الحرص أولاً على أداء فرائض الله في المسجد ثم على القرآن الكريم لأن فيه البركة مصداقا لقوله تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. وربما أتى التشجيع المعنوي والمادي والهدايا على رأس تلك الطرق والأساليب التي كنت أتبعها. ولا أخفيك أني قد بذلت الكثير من المال في سبيل ذلك، وتارة أستخدم العقاب المقنن كعلاج لبعض المواقف. فلكل حدث ما يناسبه، ودائما أستفيد من الإجازات من خلال تحفيظهم القرآن حتى أنه لا تنتهي الإجازة في الغالب إلا وقد انتهوا من حفظ مقرر العام المقبل على أن ينالوا بعض الجوائز التي تناسبهم.
كيف ترى مساهمة الإعلام في دعم حلقات التحفيظ؟
الإعلام أمانة ومسؤولية وله أثره، وقد قرأنا بعض الكتابات التي شوهت صورة الحلقات، مما يدل على أثرها، ونطمح من الإعلاميين أن يسعوا في دعم الحلقات وإظهار الواقع كما هو.
في الآونة الأخيرة كثرت مسابقات تحفيظ القرآن الكريم والجوائز المقدمة لها، فما مدى فاعليتها في نشر كتاب الله وتعليمه من وجهة نظرك؟
لا شك بأن لها الأثر الكبير في تحفيز الطلاب لأن الطلاب وخصوصا الصغار منهم يرغبون في العائد المباشر الملموس.
ما الطرق المثلى التي ترى جدواها لتحفيز الفتيان والفتيات لتعلم كتاب الله؟
التشجيع له أثر كبير والتذكير دوما بالأجر العظيم لحامل القرآن له أثره، والتودد لطلاب التحفيظ يشجعهم على الحفظ، ووضع البرامج الترفيهية.
تقلدت الإمامة والخطابة أكثر من ربع قرن، فما الرابط بينها وبين حلقات التحفيظ؟
لا شك بأن بينهما علاقة تلازم، فالقرآن يقوم اللسان مما يساعد الإنسان في الاستشهاد وإيراد الأدلة في موضعها، وقراءتها قراءة سليمة.
من خلال إمامتك لجامع الحي أكثر من 30 سنة، كيف وجدت مساهمة حلقات التحفيظ بالمسجد في القضاء على الأمية بالحي؟
لها الأثر الطيب فالقرآن مفتاح كل خير، وقد استفاد الكثير من كبار وكبيرات السن من حلقات التحفيظ بالحي خاصة الدورات الصيفية، فلو لم يكن من الفوائد التي جنوها إلا إتقانهم ما يتعبدون الله به في صلاتهم لكفى.
تعيش المرأة في هذا - البلد الطيب - نقلة نوعية في شتى المجالات ولا سيما التعليمية منها، فما مدى مشاركتها في تعليم حفظ كتاب الله؟
المشاركة كبيرة وواسعة فولاة الأمر - حفظهم الله - ما أن فتحوا مدارس التحفيظ النسائية إلا وأقبلت النساء عليها، فربما كان الحي الواحد لا يوجد فيه إلا مدرسة نسائية واحدة أو لا يوجد فيه مطلقا. والآن تجد في الحي الواحد أكثر من مدرسة، وممتلئة الأعداد من الفتيات وكبيرات السن، حتى انتشرت مدارس التحفيظ النسائية في القرى والهجر. والآن تخرج الكثير من الحافظات وانخرط بعضهن في تعليم كتاب الله وينتظر منهن الكثير.
بما أن لك بنات يعلمن في حلقات التحفيظ، ما العقبات التي تراها تعترض معلمات التحفيظ؟
العائق المادي، وقلة المعلمات المتمكنات.. لكن أعتقد أن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن في طور معالجة هاتين النقطتين. فمن خلال متابعتي للحملة الإعلامية التي شاركت فيها جريدة «الجزيرة» لدعم جمعية التحفيظ بالرياض في شهر رمضان المنصرم اتضح لدي أن وجود أكاديمية نسائية تخرج متخصصات في تعليم القرآن سيساهم في سد عجز الكوادر - إن شاء الله - وأما من الناحية المالية فكلي أمل في أن تلقى هذه الحملة التجاوب من أهل الخير وهذا ما اعتدناه من المجتمع السعودي.
ما الشيء الذي تتمنى تواجده في حلقات التحفيظ ولم يكن موجودا من قبل؟
متابعة أولياء الأمور لأبنائهم وحثهم وتشجيعهم وكذلك وضع البرامج الترفيهية الرافدة.
كيف ترى الدعم المالي لطلاب وطالبات الحلقات؟
الدعم المالي هو شريان الحلقات وسر انتعاشها وتطورها. وقد بذلت حكومة خادم الحرمين الشريفين الكثير ونتمنى المزيد، وما وقف الجمعية عنا ببعيد وحرص أمير الرياض المحبوب سلمان بن عبد العزيز الذي حرص على هذا الوقف إلا دليل على أهمية الدعم المالي. ونتمنى من المحسنين وأصحاب رؤوس الأموال أن يبذلوا لوقف القرآن الكريم. فمن لم يستطع أن يتعلم القرآن فليعلم غيره لينال الخيرية التي ذكرها المصطفى عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».