في الآونة الأخيرة ظهر على السطح جيلٌ جديدٌ من التشكيليين يحملُ هَمَّه وطُمُوحَه ويبحث عن بدائل لدعم خطواته بعد أن يئس من انتظار الوقوف معه من بعض الجهات، سعى لفتح سُبل أخرى يراها أكثر تحقيقاً لأهدافه الكبيرة في أن يتجاوز المحلية إلى العالمية، صنع للساحة وجهاً جديداً ووهجاً أضاء أبعد المسافات، تجاوز بها المحيط الضيق المتكرر الذي غلفه الملل، وأحاط به الإحباط نتيجة ضيق أفق المعنيين بالفنون التشكيلية بتذمرهم من مطالب التشكيليين وما يرونه من إشكالات تأسيس جمعيتهم بما شاب تجربة التأسيس من اختلافات رأي وخلافات في مفهوم الترشيح والتصويت الذي ينذر بخروج قطار الفكرة عن مسارها نتيجة انعدام القواسم المشتركة بين الساحة وبين وكالة الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام وفي عدم تقارب سبل حل الإشكالات التي منها إيجاد ميزانية ثابتة عوضاً عن الدعم المنقطع من ميزانية الجمعية السعودية للثقافة والفنون.
هذه الفئة أو النخبة من التشكيليين نقلوا إبداعهم السعودي عالمياً بجهودهم وعلاقاتهم الخاصة، غاضين الطرف عن تلك المشاحنات، مطلقين أحلامهم نحو الواقع فأصبحوا مثالاً حقيقياً للمساهمين بإثراء الساحة إبداعاً وتحركاً نحو الآخر، مجموعات تجمعها ثقافة عالية، وفكر إبداعي متجدد، ونظرة نحو الأفق، وإصرار على المنافسة مع من سبقهم على المستوى العالمي. فتحقق لهم الكثير من الخطوات وتلقوا العديد من الدعوات.
الجرأة المؤطرة بالثقة
حينما تجتمع الجرأة بالثقة والإصرار مع التحمل والقدرات مع الوعي، فإن أي خطوة يقوم بها الفرد أو المجموعة ستحقق النجاح. وليس هناك أصعب من أن تنافس من سبقوك في عقر دارهم، أو أن تفرض إبداعك وثقافتك على من وضعك في قائمة المنافس، وأحياناً غير المرغوب فيه. لقد شاهدنا ما حققه الزملاء التشكيليون عبد الناصر غارم والدكتور أحمد ماطر ومن أُضِيفَ إليهم من الأسماء التي تستحق الوقوف بإعجاب لإيصالهم الفن التشكيلي السعودي إلى العالم وفي مناسبات مختلفة لها قيمتها وأهميتها، منها معرض أرت دبي ومعرض كريستيز وعيرهما من المناسبات العالمية، ومن أهمها إلقاء الدكتور أحمد ماطر محاضرة بعنوان «الفن والعلم والهوية» في متحف اللوفر، تحدث من خلالها عن مفردات عالمه الفني والمشاريع الفنية التي قدمها، ومنها سلسلة «إمضاءات بالأشعة» و»مغناطيسية» ومشروع «البقرة الصفراء».
أما الخطوة الأهم في تحرك الفنان ماطر هو تأسيسه لمجموعة باسم «حافة الجزيرة العربية» بمشاركة نخبة من الفنانين في أول معرض لهم في متحف لندن بدعم من وزارة الثقافة والإعلام وإحدى القطاعات الخاصة، وجاءت أسماء المشاركين على النحو التالي: الفنانون..شادية ورجا عالم عبد العزيز عاشور، سمير الدهام، منال الضويان، ريم الفيصل، محمد فارع، عبد الناصر غارم، لولوة الحمود، مهدي الجريبي، يوسف جاها، أحمد ماطر آل زياد عسيري، مها ملوح، علي الرزيزاء، نهى الشريف، فيصل سمرة، أيمن يسري ديدبان.
تحرك لنشر الفن السعودي
أما التحرك الجديد في هذا التوجه من قبل أسماء مبدعة في مجالها التقني وفي التفكير بكيفية نشر الفن السعودي ضمن أطر وخطوط آمنة تحت إشراف أو متابعة أو دعم من جهات رسمية منها الجناح السعودي في معرض شنغهاي ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، فقد شاهد الجمهور الصيني الأيام الماضية ويستمر لمدة شهرين كاملين معرض مشارب «فنية» في معرض شنغهاي العالمي، الذي تستضيفه الصين، ضمن فعالية ثقافية للفن المعاصر تحمل اسم «نبط.. إحساس بالوجود»، بمشاركة مجموعة من الفنانين السعوديين. وتعتبر الجهات المنظمة للحدث أن كل عمل من هذه الأعمال يشكل حافزاً لتسريع حركة الإبداع بين الفنانين السعوديين.
الفكرة كما جاء في خبر المعرض تبدو مثيرة ومميزة، وفحواها بحسب ما تحدثت به الفنانة الفوتوغرافية لولوة الحمود لإيلاف بأن المعرض معزوفة كاملة تشترك فيها اللوحات الموسيقية والأدب والرسم وكل ما يمكن أن يقدم صورة زاهية من السعودية إلى العالم، كل ذلك من خلال 130 عملاً صاغها 23 فناناً وفنانة من المملكة.
وتضيف: إن الفعالية تستمر حتى 31 تشرين الأول- أكتوبر المقبل، بدعم من شركة كيوب آرتس، بالتعاون مع متحف شنغهاي دولون للفن الحديث، وبرعاية الجناح السعودي في معرض شنغهاي ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي في شركة أرامكو السعودية وشركة هاواوي.
ويعتبر كل عمل من هذه الأعمال حافزاً لتسريع حركة الإبداع بين الفنانين السعوديين بحسب الجهات المنظمة، وهي ترى أيضاً أن تنوع الوسائط يشكل بيئة خلاقة للتعبير عن الارتباط ا لثقافي الحي في الساحة الفنية السعودية.
معضلة الفن التشكيلي
أشارت الفنانة لولوة الحمود في حديثها إلى أن المعرض الذي سيستمر شهرين وحاز على إعجاب مسئولي المتحف،لم يحظ بدعم من جهات سعودية اعتادت تنظيم مثل هذه الفعاليات، إلا أن الفتية الفنانين الذين آمنوا بوطنهم وحلمهم مصرون على تفعيل نهضة فنية تحاكي الحراك المشهود في بلادهم. وقد تعني الفنان لولوة الحمود هنا وزارة الثقافة والإعلام، وهذه هي المعضلة التي يعاني منها الفن التشكيلي في الداخل ولنا في جمعية التشكيليين الدليل الأبرز لعدم إقرار ميزانية لها.
يذكر أن الفنانين السعوديين في المعرض هم: الجوهرة آل سعود، أيمن يسري، ريم الفيصل، زمان جاسم، فهد الحجيلان، لولوة الحمود، محمد فارع، نهى الشريف، مصطفى العرب، ضياء عزيز ضياء، مها ملوح، ناصر التركي، محمد الغامدي، محمد العجلان، فهد القثامي، صديق محمد واصل، فاروق قندقجي، بكر شيخون، بندر الرميح، عبد العزيز عاشور .
أسماء ومساهمات
لا ننسى هنا أيضاً المشاركات الأخرى التي يقوم بها نخب مشابهة منها مجموعة الرياض برئاسة الفنان على الرزيزاء وعرضهم في تايوان، وفي القاهرة ومجموعة إبداع للفنون التي يرأسها الفنان الضامن والتي ساهمت كثيراً بنشر الفن السعودي خليجياً والآن تواصل مسيرتها في عرض في العاصمة اللبنانية بيروت بمناسبة اليوم الوطني، أما على المستوى الفردي فهناك الفنان زهير طوله وعرضه في ألمانيا والفنان زمان جاسم ومشاركاته المحلية والدولية وما شاهدناه في دبي من معرض مشترك للفنانين نجلاء السليم وأحمد حسين ونهار مرزوق إلى آخر المنظومة.
ختاماً
هذه الإطلالة أو الإيجاز للمشهد التشكيلي السعودي النكهة، العالمي الانتشار، لا يمكن أن يغني عن دراسة وافية سنستعرض فيها قريباً هذا التوجه إيجابياته وسلبياته ودور الفنانين في خدمة إبداعهم وتراجع مواقف الجهات الرسمية المعنية بهذا الفن عن دعم مثل هذا النشاط إضافة إلى تخاذل القطاع الخاص وهروبه من دعم الفنون التشكيلية. حرصنا على أن نكون في دائرة المتابعة لجديد الساحة وسنواصل هذا السعي لكثير من الأنشطة المحلية والعربية والعالمية لنكشف للقراء الأعزاء من التشكيليين أو من المثقفين أو من عشاق ومحبي هذا الفن ممن يمتلكون الذائقة الجمالية الراقية.