«خيال» اسم لمطعم أظن أنه مشهور عند أهل جدة، إدارته والعاملون فيه أتراك، يتحدث غالبيتهم اللغة العربية المكسرة، وهو طبعاً يقدم الوجبات التركية المتميزة للعوائل والعزاب على حد سواء، ليس له فروع سواء في جدة أو خارجها، وموقعه لا يحمل أي مميزات مهمة في نظري الشخصي، كونه مثلاً قريباً من البحر أو أحد الفنادق المشهورة ذات الصيت والسمعة، إلا أنه يتميز كما رأيت بالنظافة في جميع مرافقه خصوصاً دورة المياه والمغاسل، وأكله طيب ولذيذ جداً وكذا المشروبات والحلويات، ويعطي الرجل السعودي وأهله خصوصيتهم المعروفة، يستقبل مرتاديه على فترتين، ويلتزم بالإغلاق أوقات الصلوات وحين الجمع والجماعات، طبعاً لا يعني قولي إنه يتميز بذلك أن غيره خلاف ما ذكرت.. بل ربما يكون الآخر أفضل منه.. السالفة وما فيها أن عنوان هذه المقال هو بذاته عنوان البحث الذي نال به أحد المبتعثين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي درجة الماجستير في إدارة الأعمال من «جامعة باث» في المملكة المتحدة!!. بصدق تعجبت حين قرأت هذا العنوان في الدليل الذي أصدرته الملحقية الثقافية هناك، وحتى أكون دقيقاً ومنصفاً في هذا المقام ليس هذا هو العنوان الوحيد الذي لفت انتباهي وغرس علامات الاستفهام والتعجب في رأسي، بل هناك ما هو أكثر غرابة وإثارة للتساؤلات، ولذا أدعو المهتمين بهذا الشأن، أو من لديهم رغبة استلهام واستشراف مستقبل البحث العلمي في بلادنا، أدعوهم للاطلاع على هذا الدليل، وسيجدون أن البعض من الأبحاث - وللأسف الشديد - لا يعدو أن يكون عنواناً لمقال أو ورقة عمل بسيطة على أحسن الأحوال، ومنها ما ليس له محل من الإعراب ولا يمكن أن يقبل بأي وجه من الوجوه!!.
لقد أثار هذا العنوان بالذات لدي غريزة حب الاستطلاع أكثر من غيره فحرصت على أن أذهب لذات المكان قبل أن أكتب هذا المقال وأقرر بنفسي، هل يستحق «خيال» أن نبتعث شاباً سعودياً ليكتب لنا عن أحد المطاعم رسالة ستبقى في سجله العلمي إلى الأبد!!
لا أعلم ماذا كتب الباحث وكنت وما زلت أتمنى أن أطلع على أبرز المزايا التنافسية التي يختص بها هذا المطعم ولا وجود لها في سواه، وكذا التوصيات وأهم النتائج التي انتهى إليها الباحث المتخصص في إدارة الأعمال، فالمطعم كما ظهر لي من خلال المشاهدة السريعة والرؤية الانطباعية الأولى مثل غيره من مطاعم المملكة الكبرى يتميز كما أشرت بذات المميزات التي يشاركه فيها كثير من المطاعم الهندية والإيرانية والتركية الراقية فضلاً عن مطاعم فنادق الخمس نجوم، ولذا أين هي المزايا التنافسية التي يتفرد بها خصوصاً أن سوق المملكة العربية السعودية سوق مفتوح والمنافسة فيه منافسة كلية والأسعار في مثل هذه المطاعم أسعار متقاربة والطلب على الجميع يفوق العرض الموجود خصوصاً التركية منها، ولم نصل بعد إلى نقطة التوازن السوقي المعروفة.
إنني شخصياً لم أسمع عن هذا المطعم من قبل ولا أعرف أنه عريق.. بل هو جديد نسبياً 2006م، وليس له فروع أبداً.. ولذا لا أدري أين هو التوسع الذي أشار إليه الباحث في ثنايا ملخص رسالته، كما أنني أعجب من إجراء الدراسة على منشأة خدمية لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات تقريباً، أي أن دورتها المالية لم تكتمل بعد كما هو في عرف أهل الاختصاص والدارسين.
لا يهم.. المهم في نظري أن من مسئولية المشرفين والمرشدين على طلابنا في الملحقيات الثقافية متابعة مسارهم الدراسي بشكل مباشر ومساعدتهم في التوصل إلى المنهج الأمثل لاختيار مواضيع أبحاثهم ودراساتهم المختلفة والتركيز فيما من شأنه المشاركة الفاعلة في صناعة التنمية المستدامة في مجتمعنا المحلي والاستفادة من التجارب العالمية لا التركيز على المواضيع ذات الخصوصية المحلية التي قد تفيد الدارس الغربي أكثر من المخطط المحلي، ولعل من الأهمية بمكان التوجه للدراسات ذات البُعد الدولي والاتجاه المقارن سواء بين التوجهات أو الاتجاهات أو المشاريع أو الأنماط الإدارية في المنشأة الصغيرة وكذا المتوسطة فضلاً عن إدارة المؤسسات العملاقة متعددة الفروع وربما عابرة القارات، وشخصياً لا أجد غضاضة في أن يُستعان بأهل الاختصاص في الجامعات السعودية وعمادات البحث العلمي لتوجيه أبحاث هؤلاء المبتعثين عن طريق وكالة الوزارة لشئون البعثات لضمان قوة هذه البحوث وجودتها وجدتها وإمكانية الاستفادة منها في ضروب التنمية المختلفة في وطننا المعطاء حتى وإن كانت مجرد دراسات وأبحاث تكميلية لا تتعدى صفحاتها الثمانين ورقة.
إنني أتفاءل بأن ينتهي عهد ركن منتجنا البحثي العلمي على الرف وأتطلع من خلال هذا البرنامج الفريد والمتميز - والذي انبرى له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بكل حرفية واقتدار - أن ننزل بما تتفتق عنه أذهان مبتعثينا إلى أرض الواقع للتغيير الفعلي البنَّاء المرتكز على أسس علمية معروفة ومن خلال بحوث ميدانية عميقة وعلى أيدي أساتذة متخصصين في الجامعات البريطانية أو الأمريكية أو الأسترالية أو الفرنسية أو حتى العربية المعروفة والمرموقة وإلى لقاء والسلام.