من بين أول المهام الصحفية الميدانية التى كلفت بإنجازها بعد اجتماع التحرير بداية التسعينات، عمل استطلاع عن تطوير المناهج، بوزارة «المعارف» حين ذاك، وزارة التربية والتعليم حاليا.
حين زرت إدارة تطوير المناهج،وجدت أن 100% من العاملين على تطوير المناهج هم من المشائخ ورجال الدين والدعاة، وهذا شيء طبيعي في مجتمع محافظ، لكن سيطرة التدين على تطوير المناهج لم يكن مقصورا على المواد الدينية والثقافة الإسلامية والتى تشكل غالبية مناهجنا، بل إن «السيطرة» و»التوجيه» تشمل تقريبا كافة التخصصات العلمية والنظرية والأدبية والإنسانية.
الأمر الذي جعلنى بعد سنوات أدرك -مثلا-كيف حذفت لاحقا نصوص أدبية عربية، كنا نحفظها، وندونها على ورقة الاختبار، بدءا من المعلقات، مرورا بشعر أبي العتاهية والمتنبي وأبي العلاء المعري وغيرهم كثير، من شبهة أو تشبيه، أو رومانسية شعرية، تم «شطبها» واستبدالها بأدبيات أكثر صلفا وحماسة.
التحكم بتطوير المناهج، حدد مايريدون، وحاصر المناهج بوجهة نظرهم، وحذف ما لا يروقهم، وأسّس لمناهج غيبت التسامح والترغيب، وغلبت لثقافة عامة قائمة على الترهيب والتخويف.
أتذكر ذلك المشهد المصور بنتائجه، في سياق استنكار لا يتوقف اليوم حول شخصية مثيرة باجتهادها للجدل، وهو الدكتور يوسف الأحمد، عضو هيئة التدريس في قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام بن سعود الإسلامية. ودوره في تأليف كتب مدرسية لبراعم المرحلة الابتدائية.
الأحمد نفسه، اعتبر في وقت سابق، أن وزارة التربية والتعليم ترضخ لما يسميه المشروع التغريبي في البلاد، بداية من تعيين الدكتورة نورة الفايز نائبة للوزير، وقاد حملة «شرسة» عملية ضدها.
وهو صاحب الفتوى الشهيرة، والتى وصف فيها الاختلاط بين الجنسين في المسجد الحرام ب «الاختلاط المحرم». واقترح هدم المسجد الحرام بشكل كامل وإعادة بنائه من عشرة أو عشرين أو ثلاثين دوراً بحيث يؤخذ في الاعتبار الفصل بين الرجال والنساء فيه.
ومشهور بكتيبته التى يقودها في كل معرض ومحفل ثقافي، ينهى عن منكر بيع الكتب التي لاتروقه، وتحذير النساء الزائرات. ثم هجومه على المرأة في كسبها الحر المشروع من خلال العمل الشريف في مجالات عدة.
واختتم اجتهاداته -غير السديدة- في بحثه عن دور البطولة، بجواز الهجوم على الوزير الراحل غازي القصيبي، وقال إن حديث «اذكروا محاسن موتاكم» حديث ضعيف، وهاجم كذلك الكتاب الذي رثوا القصيبي بأنهم منافقون وبسطاء.
رجل يحمل هذه الأفكار المسلية، ومثله كثير، تبقى أفكاره من حقه مهما تسطحت، لكن ليس له فرضها، والأخطر ترويجها في ذهنية طلاب صغار مقبلين على العالم والمعرفة.
كنت آمل لو أستطيع القيام باستطلاع ثانٍ بعد خمسة عشر عاما حول إدارة تطوير المناهج؟.
أريد كمواطن أن أعرف، هل لازالت المناهج بمختلف تخصصاتها تنطلق من رؤية ضيقة واحدة..؟، وأن الحال كما كان..؟، وهل لا يزال أمثال فكره، هم استثناء ام قاعدة ..؟
إلى لقاء