تحتفل المملكة العربية السعودية في يومها الوطني الثمانين والذي يصادف الأول من الميزان لعام 1389 هجري شمسي، الموافق للرابع عشر من شوال لعام 1431 هجري قمري، الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2010 ميلادي.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1351هـ -1932م سجل التاريخ مولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- على مدى اثنين وثلاثين عاماً من الكفاح.
ثمانون عاماً حافلة بالإنجازات على هذه الأرض الطيبة شملت نواحي الحياة كافة، تخللها عدد من التحديات، ولكن التحدي الجديد الذي بات يواجه المجتمع هو أن يسير وفق المنظومة العالمية، متفقاً بذلك من النظرة الفكرية الحديثة التي جعلت عالم اليوم متخذاً من المعرفة سبيلاً لرقي المجتمعات ليكون المجتمع مجتمعاً معرفياً يجعل من المعرفة أسلوب حياة ليقوده إلى الرقي والرفاهية المنشودة.
لذا سعت وزارة التعليم العالي ومؤسسات التعليم العالي الجامعي في المملكة العربية السعودية في تطوير اقتصاديات المعرفة والتي تمثل «الاقتصاد المبني بشكل مباشر على إنتاج ونشر واستخدام المعرفة والمعلومات في الأنشطة الإنتاجية والخدمية المختلفة». ولتحقيق ذلك، سعت وزارة التعليم العالي إلى توجيه منظومة التعليم العالي السعودية لعقد شراكات حقيقية مع قطاع العمل، بحيث تكون الجامعات مراكز بحثية لإنتاج المعرفة، وذلك بتطوير البرامج وأساليب تقديمها لتزويد طالب اليوم بالمعرفة والمهارات اللازمة التي تمكنه من الدخول في سوق العمل المعتمد على اقتصاديات المعرفة.
وتحقيقاً لتطوير اقتصاديات المعرفة قامت وزارة التعليم العالي بعدد من الخطط الطموحة لتنمية الموارد البشرية، وذلك بتطوير التعليم الجامعي ليتواكب ونظرية المعرفة، ومن أهمها زيادة عدد الجامعات في المملكة، حيث وصل عدد الجامعات الحكومية إلى 24 جامعة ذات طاقة استيعابية عالية، وموزعة جغرافياً بين مناطق المملكة.
وترتبط هذه الجامعات كافة بوزارة التعليم العالي مع تمتعها بقدر كبير من الاستقلالية في المجالين الإداري والأكاديمي. كما وصل عدد الجامعات الأهلية حتى الآن إلى (8) جامعات وعدد الكليات الأهلية إلى (21) كلية موزعة على مناطق المملكة المختلفة وشاملة لكل التخصصات العلمية والأدبية والدراسات العليا.
وفي مجال الاهتمام بجودة التعليم فقد انطلقت وزارة التعليم العالي والجامعات في التعامل مع قضية الجودة من بعدين مهمين، أولهما رفع الكفاءة الداخلية للجامعات عن طريق ضمان جودة مدخلات التعليم الجامعي، وهو ما تم لتحقيقه إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي.
وثانيهما رفع الكفاءة الخارجية بالجامعات عن طريق ضبط المخرجات والتحقق من جودتها، وتحقيق الاعتماد الأكاديمي والمؤسسي للجامعات.
وتم لتحقيق ذلك إنشاء الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي لتكون الجهة المسؤولة عن شؤون الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي فوق الثانوي.
وفي إطار دعم جهود الجامعات ومؤسسات التعليم العالي للوصول ببرامجها إلى مستويات متقدمة، اتخذت الوزارة عدداً من المبادرات النوعية التي ترمي إلى رفع مستوى الجودة في الجامعات وتمثل ذلك في ثلاثة مشروعات رئيسة.
أولها مشروع تنمية الإبداع والتميز لأعضاء هيئة التدريس، وثانيها دعم إنشاء مراكز للتميز العلمي والبحثي في الجامعات. أما المشروع الثالث فهو الإسهام مع الجامعات في دعم الجمعيات العلمية. هذا، بالإضافة إلى ما قامت به الوزارة ليشمل مجموعة من المشاريع والمبادرات التطويرية التي قامت بها الوزارة مثل: مركز البحوث والدراسات الاستشارية، مشروع المركز الوطني للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، ومشروع نظام المعلومات الجغرافي الإستراتيجي لوزارة التعليم العالي (GIS)، ومشروع تنمية الإبداع والتميز لأعضاء هيئة التدريس، مشروع إحصاءات التعليم العالي، ومشروع تطوير الجمعيات العلمية في الجامعات، ومشروع المنح الدراسية لطلبة التعليم العالي الأهلي، ومشاريع الأوقاف والكراسي البحثية للجامعات وغيرها من المشاريع التي تزخر بها وزارة التعليم العالي.
إلا أن الحدث الخارجي في التعليم العالي في المملكة العربية السعودية هو: برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والذي يهدف إلى: ابتعاث الكفاءات السعودية المؤهلة للدراسة في أفضل الجامعات في مختلف دول العالم، وذلك لأجل تنمية وإعداد الموارد البشرية السعودية وتأهيلها بشكل فاعل لكي تصبح منافساً عالمياً في سوق العمل ومجالات البحث العلمي ورافداً أساسياً في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة.
كما يتطلع هذا البرنامج إلى تحقيق رؤية راعيه الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في التواصل الحضاري بين الأمم ونشر ثقافة التعايش والحوار.
وقد ناهز الطلاب المبتعثون حتى الآن مائة ألف طالب وطالبة متقدمين دول العالم في نسبة عدد المبتعثين إلى عدد المواطنين.
إن هذه المشاريع وغيرها قليلة في حق هذا الوطن الخير الذي يلقى فيه كل فرد رعاية خاصة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -حفظهم الله.
وأسرة التعليم العالي وهي تجدد شكرها وحمدها للعلي القدير على هذه النعم التي حباها بلادنا العزيزة، يسرها أن تبتهج بالاحتفاء بيوم الوطن، وتجدد فيه الولاء لقادة البلاد وتؤكد وقوفها صفاً واحداً في سبيل خدمة الوطن وأبنائه، وتدرك أنها تشاطر مؤسسات المجتمع الأخرى في الحفاظ على رفاهية وأمن هذا الوطن المعطاء.
حفظك الله أيها الوطن، وحفظ لنا قادتنا، لنظل جميعاً عزيزين شامخين بعز الإيمان في وطن الإسلام.
(*) وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات