في هذا اليوم لا يستطيع المرء الإحاطة بكل الإنجازات التي حققتها المملكة على مدى أكثر من مئة عام في كافة المجالات، ولكن أجد هذه المناسبة العزيزة فرصة للتعبير عن امتناننا للقيادة التي لم تأل جهدًا لتحقق هذه الإنجازات للمواطنين الذين التفوا حول القيادة منذ توحيد البلاد إلى يومنا هذا.
فمنذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- اتسمت المسيرة التنموية السعودية بالشمولية والاسترشاد بتعاليم الدين الحنيف وقيمه السامية، فحققت المملكة التوازن بين التطور الحضاري والعمراني والاقتصادي وبين المحافظة على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، وخلال مسيرة البناء نفذت المملكة خطط التنمية الخمسية بنجاح وحققت قفزات ونهضة حضارية شاملة فتحققت المنجزات الأساسية من طرق وموانئ ومطارات ومرافق وخدمات أخرى مما ساعد على اختصار الجهد والوقت في تنفيذ المشروعات العملاقة التي اشتملت عليها خطط التنمية المتتالية.
ولقد حققت المملكة نجاحًا كبيرًا في بناء القاعدة الاقتصادية وتنويعها لتخفيف الاعتماد على البترول وذلك من خلال تعزيز قدراتها الإنتاجية في القطاعات الأخرى وهذا التطور والتنويع في الصناعات انعكس إيجابيًا على التجارة سواء تجارة الصادرات أو الواردات، حيث تحوّلت التجارة من تجارة محدودة موسمية (تعتمد بشكل كبير على موسم الحج مثلاً) إلى تجارة تقوم على أسس اقتصادية ثابتة، مثل الصناعات البتروكيميائية ومشتقات البترول.
وعلى صعيد الزراعة فقد حظيت برعاية واهتمام الدولة باعتباره قطاعًا حيويًا وإستراتيجيًا وإن ما تحقق في هذا المجال يُعدُّ إحدى العلامات البارزة التي تميّزت بها التجربة التنموية السعودية.
ومن مظاهر اهتمام الدولة ورعايتها لهذا القطاع إنشاؤها لوزارة الزراعة والمياه منذ التأسيس لتتولى مهمة التخطيط والتنفيذ للمشاريع الزراعية والمائية وقد قامت الدولة بإنشاء السدود وحفر الآبار الارتوازية وتوزيع الأراضي على المزارعين واستصلاح الأراضي. وبدأت المملكة تطبق نظرية الاكتفاء الذاتي الغذائي خصوصًا من القمح وبعض المحاصيل الغذائية الأخرى وأقيمت المشروعات الزراعية الكبرى وأنشئت الشركات الزراعية المساهمة.
وقد أسست الدولة في عام 1972م المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق بهدف توفير جو من الاستقرار لأسعار الغلال.
وفي مجال الرعاية الصحية قامت الدولة بتوفير الرعاية الصحية مجانًا للمواطنين من خلال مستشفيات الدولة التي تتولى إدارتها وتشغيلها وزارة الصحة وبعض الهيئات العلمية كالجامعات ومراكز الأبحاث، وقد تطوّرت الخدمات والتجهيزات الصحية بالمملكة، وظهرت بشكل متميز في منطقة الشرق الأوسط، كما أن هذه الخدمات أصبحت تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، حيث زاد عدد المستشفيات في المملكة في كل عام، وتنوعت ليكون هناك مستشفيات متخصصة وذلك إضافة إلى المراكز الصحية المنتشرة في جميع مناطق المملكة، إضافة إلى مراكز الإسعاف التابعة للهلال الأحمر، وكذلك قدمت الدولة الدعم للقطاع الصحي الخاص، فتم إنشاء العديد من المستشفيات والمستوصفات الخاصة. والجهود حثيثة لربط مستشفيات المملكة بالمستشفيات والمراكز الصحية العلمية بشبكة خاصة من الاتصالات التي يستطيع بواسطتها الأطباء السعوديون والباحثون متابعة أعقد وأدق العمليات والتعرف على أحدث التقنيات الطبية، وقد حققت مستشفيات المملكة خصوصًا مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض والمستشفى العسكري ومستشفى الملك فهد تطورًا مذهلاً في هذا المجال، حيث أجريت بها وعلى أيدي أطباء سعوديين العديد من العمليات التي تكللت بالنجاح مثل عمليات القلب المفتوح وزراعة الكبد وغيرها من العمليات المعقدة وتجربة المملكة المشهودة في فصل السياميين باتت مثلاً يحتذى في الدول المتقدمة.
ويمكن رؤية ملامح التطور الشامل من مشروعات المدن الاقتصادية التي تُعدُّ إحدى الآليات العلمية والعملية لجذب الاستثمارات وإتاحة فرص العمل، حيث تم البدء في هذه المدن في كل من رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان.
ومن الحقائق البديهة المسلم بها أن الأمن والتنمية عنصران لا يفترقان، ولقد أولت المملكة هذه المسألة جلّ اهتمامها ممثلة في وزارة الداخلية التي تضطلع بالدور الأساسي في حفظ الأمن والمحافظة على راحة وطمأنينة المواطنين والمقيمين، وقد تضافرت العديد من العوامل التي أسهمت فيما وصلنا له بحمد الله من أمن واستقرار، ومن هذه العوامل حرصت المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز على تطبيق شريعة الله وأحكامها مما أدى إلى تقليل دوافع الانحراف والجريمة.
وقد خاضت وزارة الداخلية وهي العين الساهرة على أمن وأمان الوطن والمواطنين والمقيمين مواجهات تكللت بالنجاح بفضل الله ثم بفضل السياسات التي وضعتها وزارة الداخلية لهذه المواجهات مع الفئة الضالة وما إحباط تنفيذ العمليات الإرهابية قبل وقوعها إلا دليل على السياسات الأمنية الحكيمة، وأمن وأمان الحرمين الشريفين وأمن وراحة الحجاج والمعتمرين والتوسعات الكبرى التي نفذت منذ عهد المؤسس حتى يومنا هذا والكل يعرف ما تم إنجازه خلال السنوات الأخيرة من توسعات في الحرم النبوي الشريف وما يتم إنجازه حاليًا من توسعات كبرى في الحرم المكي الشريف، إضافة إلى الخدمات والمرافق التي من شأنها ضمان راحة وأمان الحجاج والمعتمرين.
أما على صعيد التعليم فقد ظل دائمًا هدفًا رئيسًا من الأهداف التي سعى الملك عبد العزيز وأبناؤه من بعده إلى تحقيقها، حيث تم إنشاء المدارس بكافة مراحلها للطلبة والطالبات في جميع مناطق المملكة، ثم في السنوات الأخيرة تم إنشاء العديد من الجامعات في التخصصات المختلفة، إضافة للمعاهد العلمية.
وقدمت الدولة للقطاع الخاص الدعم والمساعدة ليقوم بدوره في مجال التعليم، حيث يوجد عدد كبير من المدارس الخاصة وفي السنوات القليلة الماضية تم افتتاح جامعات وكليات خاصة.
وقد ركزت الدولة منذ الستينات الميلادية على ابتعاث الطلبة للحصول على الدرجات العلمية ولا يخفي ما تم خلال السنتين الأخيرتين على هذا الصعيد، إذ تم ابتعاث آلاف مؤلفة من الطلبة والطالبات في التخصصات المختلفة للحصول على شهاداتهم العلمية من أرقى جامعات العالم وكذلك ابتعاث الموظفين للتدريب، ومشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم يدل على تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - حفظه الله- على الاستثمار في العنصر البشري ليقوم بدوره في المشاركة في التنمية، وبفضل من الله تم تكريم الكثير من أبناء هذا الوطن في مختلف دول العالم لتفوقهم في عدة مجالات.
وفي مجال التدريب أنشئت المعاهد المتخصصة مثل المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني وكذلك صندوق الموارد البشرية الذي إضافة إلى دوره في توفير الوظائف يسهم في تدريب الشباب على رأس العمل وكذلك الدورات التدريبية المتخصصة في الإدارة والمحاسبة والتسويق وغيرها من التخصصات.
ولعل الإنجاز الكبير الذي يشكل علامة فارقة في تاريخ التعليم الذي يشكل مثالاً لاهتمام القيادة بالتعليم هو جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.
إن العملية التنموية العملاقة التي تعيشها بلادنا المباركة في مختلف المجالات بدأت منذ عهد جلاله الملك عبد العزيز -رحمه الله- ومن بعده أبناؤه وصولاً إلى هذا العهد الزاهر والميمون يجعل جميع المواطنين يشعرون بالغبطة والفخر.
وبهذه المناسبة أتقدم لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني وزير الداخلية وجميع المواطنين بالتهنئة باليوم الوطني.
(*) رجل أعمال وعضو مجلس الغرف السعودية