عندما نتحدث عن الأمن الفكري فإننا نتحدث عن منظومة عقلية فكرية يتولد منها إحساس المجتمع بأن منظومته الفكرية ونظامه الأخلاقي هو الذي يتولى ترتيب العلاقات بين أفراده، لا يخضع لتهديد فكر متطرف أو جنوح عن الطريق الصحيح في اتخاذ القرار أو المساس بالأمن.. وليدرك أن الأمن ليس مسؤولية السلطات المعنية بالأمن، إنما أيضاً المؤسسات الاجتماعية بكل أنواعها سواء تعليمية أو ثقافية أو دينية، وإذا حققت هذه المنظومة أهدافها السامية ولبنائه فمن المؤكد أنه سوف يكون لها دور فعال وحيوي في تحقيق أعلى مستويات الأمن الفكري.
فلو تحدثنا عن المؤسسات التعليمية نجد أن من أولوياتها التثقيف الأسري والمدرسة والجامعة.. يضاف إلى ذلك وسائل الإعلام بجميع شرائحها وتبنيها نشر الوعي الأمني ونشر التوعية الدقيقة في المجتمع بشكل يجعل المتلقي يدرك أهمية الأمن الفكري، وإن الاتحاد والتضامن الأمني بين المؤسسات ورجال الأمن يعطيى ثماره في حماية المجتمع من الأفكار الهدامة والمنحرفة والمغرضة، وبذلك تكون هنالك آلية مقنعة لردع من لهم طرق ملتوية وهدامة في صفوف المجتمع.. ويجب أن تسير العملية التوعوية من المدرسة والأسرة والمسجد والإعلام في خطين متوازيين لدفع الأفراد في اتجاهات فكرية سليمة وناجعة وصحيحة ينتج عنها سلوك سوي يؤدي إلى إقامة علاقات إيجابية تعينهم على مواجهة الأفكار الموسوسة والعيش بأمن وسلام. والأمن نعمة وعد الله بها عباده الذين يؤمنون به ويوحدونه ويذودون عن حماه بكل غال ونفيس. قال الله تعالى: ?وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا? (55) سورة النور.
هذا التوجيه الرباني يبين لنا أهمية الأمن في كل متطلبات الحياة، ولن يتحقق إلا إذا أدركنا مفهوم الأمن وتجردنا من التبعية لبعض الأديان أو المؤسسات التي أدخلت مفاهيم خاطئة في مجال الأمن الفكري. فالإنسان إذا عاش آمناً في حياته وممتلكاته وعقائده استطاع أن يفكر بعمق ويجتني من فكره فهما صحيحا لمعنى الأمن.. وتسير ثمرات خواطره في مسارها الصحيح، وتتولد في قلبه الرغبات الطاهرة والإرادات الفكرية السليمة ليصل إلى هدف الأمن المشروع على مقتضى رغبته مأموناً نافعاً فترتاح به نفسه وتقر عينه على نفسه ومجتمعه وأمنه.
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من أصبح معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب السماوية مشرعة قواعد الإيمان الصحيح الذي يقوم على سلامة الاعتقاد الصحيح في القول والعمل، ولا يتحقق ذلك إلا بسلامة القلب الذي يسير العقل والفكر. قال عليه الصلاة والسلام: (ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) إن تحكيم العقل في النفس من أهم الواجبات على الفرد؛ لأن النفس في أغلبها أمارة بالسوء والعقل هو ميزانها وبذلك يستطيع كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون جبلاً شامخاً لا تؤثر عليه الأفكار المؤذية والشبهات والعواصف الفكريات ولا تستطيع البدع المظلة من شرقيات أو غربيات أن تهز أو تنال من ثباته على قيمة ومبادئه.. فخليل الله إبراهيم عليه السلام يناصح أباه في منتهى اللطف واللين ليرده عن مصدر الضلالات والفكر الضال والوسواس الفكري حيث يقول: ?يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا?.. دعا إبراهيم عليه السلام للبلد الحرام وساكنيه من الطائفين والركع السجود وقد سطر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ?وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا? ندرك من ذلك أهمية الأمن على النفس والمجتمع بأسره، ونرى ما تؤول إليه الأمم في الإبداع والنبوغ والابتكارات وهذا لا يكون إلا بوجود الأمن الفكري فهو الأرض الخصبة والمناخ الحقيقي للإبداع والنبوغ والعبقرية.. ولو نظرنا على مر العصور لوجدنا أن الحضارات الراقية لم تقم إلا على فكر ناضج وبيئة آمنة مطمئنة.
فديننا فند مضامين الأمن الفكري على أن تكون مستمدة منه ومن مصادره الصحيحة المعتمدة من القرآن والسنّة متوافقة على نبذ الفكر الضال الذي يقوم بعضاً من المتطرفين والمنسلخين من مضمون الأمن الفكري فخسروا فكرهم وعقولهم إلى الأذى وقتل النفس البريئة والمساس بأمن الفرد والمجتمع وانتهاك أمنه وتخويفه من أمثلة هؤلاء فئة الخارجين على الدين أصحاب الفكر الضال والدسائس المبيتة في أفكارهم ليخرجوا عن منظمة الحق والعدل والدين. وكما قال صاحب السمو الملكي النائب الثاني ووزير الداخلية في كلمته في أعمال الدورة السابعة والعشرين لمجلس وزراء الداخلية العرب: إن استقامة سلوك الفرد.. وانتظام استقرار الأمة وتطورها يعتمد في الأساس على سلامة الفكر وعقلانية الاتجاه.. ولذلك كان الانحراف الفكري من أهم المشكلات الفكرية والأمنية التي تعاني منها أمتنا عبر تاريخها الطويل وفي واقعها المعاصر. وكلما تطرق إليه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز إنما هو حقيقة تصب في قالب الواقع. فلذا يجب أن ندرك أن التفافنا حول قيادتنا ووقوفنا صفاً واحداً مع رجال الأمن لنبذ ووأد مثل هذه الأفكار والتابعيات ونظم الإرهاب نستطيع أن نكون مجتمع آمن وسليم ترفرف عليه حمامة السلام ولتكن أروقته سهاماً قاتلة في وجوه هذه الفئة الضالة فأمن الوطن هو أمن كل فرد فلتعش يا وطني في ظل الدين الحنيف وقيادتنا الحكيمة والله أسأل أن يحمي بلادنا من كل كائد حاقد منحرف بفكر مسموم أو عقل مغسول.
أبها
drali0000@hotmail.com