أعجبني الدكتور سلمان العودة وهو يسوق الأدلة العقلية من كتب العلماء الغربيين والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ليعطي بها درسا خفيفا على النفس سهلا للفهم، يقبله كل عاقل مهما كان توجهه.. وأعجبني كذلك التفنن الذي يقوم به طاقم البرنامج من سنة لأخرى في الديكور وإدخال عناصر جديدة تثري البرنامج.. كما أن المحاور أيضا متجددة، وليست جامدة كما عهدنا وللأسف في كثير من البرامج الدينية، التي يعرض أصحابها العلوم الدينية وهم يحتبسون في الماضي الذي لا يعرفون غيره، ثم يتكلمون والحاضر لا يعنيهم لأنهم لا يحسونه.
وفي الجهة المقابلة، لم أجد عملا فنيا متقنا يربي الأخلاق الفاضلة في الشباب ولو بشكل عارض.. فلم أشاهد مثلا في مسلسل «طاش» الشهير ولا «بيني وبينك» أو سواه من المسلسلات الخليجية والمصرية أحد الممثلين أشار إلى الصلاة طوال أحداث الحلقات التي قد تصور لنا حياة يوم كامل لشخوص القصة.. على أن الصلاة فريضة نقوم بها كل بضع ساعات من ساعات اليوم.. متى يتدين هؤلاء قليلا ويفهمون أن الحياة عندنا أفقر إلى الأخلاق والتعاليم الدينية منها إلى الأرزاق، وأفقر إلى تقدير قيمها الروحية منها إلى تقدير قيمها المادية، وأفقر إلى ذكر الله منها إلى ذكر سواه.
إني أحسب الدعاة الصادقين لو تمهد لهم طريق مزين لاستخدام الفن وأساليبه الحديثة لاستطاعوا استعادة العديد من القلوب الفارغة، وملئها بالحق مرة أخرى.. الحق الذي جبلت عليه تلك القلوب.. والذي كان الفن الهابط أحد أسباب ابتعادها عنه.. فيجب ألا يكون عرض المواضيع الدينية عبر الأجهزة الإعلامية جامدا مقرونا بتبلد الفكر والحس، فهذا يجب أن يكون موضع نظر، ويجب أن يكون للعلماء فيه كلام، فإن محاربة الغش المعنوي أهم من محاربة الغش التجاري!
وكذلك، فإن الفنانين الذين يعتبرون الدين شارة فردية، أو مسلكا خاصا ويعرضون الفن الهابط الخالي من الإشارة إلى قيمنا الاجتماعية وتعاليم الدين الحنيف والذي هو ضرورة لدعم المبادئ لبناء مجتمع سليم، هم أقوام من المرضى لا يجوز السماع منهم، بل الأجدى على المجتمع أن يودعوا في بعض المصحات حتى يبرأوا من عللهم.. ولكي نعرف الحقائق المهجورة نؤكد أن الفن الحقيقي هو عامل مساعد للأجهزة المعطلة في الكيان الاجتماعي، وهو يساعد.