دخلت جامعة الملك سعود عهداً جديداً زاهراً ومبشراً بالخير الكثير، بعد أن جلس معالي الدكتور العثمان على كرسي إداراتها الساخن، فكان بانتظاره تحد حقيقي لتجاوز الأزمات التي عصفت بالجامعة، وتحقيق الطموحات التي أرادتها القيادة متمثلة بمقام خادم الحرمين الشريفين.. فاستطاع أن يحقق إنجازات تذكر فتشكر، ولعل من أبرزها بناء المنشآت العملاقة والحديثة التي تبنى لتستوعب كماً أكبر من الخريجين الطامحين بتعليم متقدم ومتميز يليق بالمواطن السعودي، ودخول الجامعة سباق التميز بين جامعات العالم بعد غياب مخجل ومريب عن القائمة على الرغم من هذه الإنجازات الكبيرة والمنشآت العملاقة إلا أن البنية الداخلية المتهالكة والهشة للجامعة مازالت بحاجة إلى تدخل بحجم الخلل والتهالك الداخلي وأكبر حتى لا تكون الجامعة (من برا الله الله، ومن جوا يعلم الله!!) وسأسهب في الحديث عن هذا الموضوع في مقال قادم إن شاء لله.
ففي هذا المقال سأتحدث عن مستشفى الملك خالد الجامعي من واقع تجربة شخصية مؤلمة عشتها بتفاصيلها المرة حين دلف والدي -أطال الله في عمره- إلى المستشفى، ففوجئت بتفاوت كبير في مستوى الخدمة والتجهيزات بين الأقسام، فقسم الطوارئ كان على أهبة الاستعداد لاستقبال المرضى ورعايتهم، وقسم العناية المركزة كان أفضل وأفضل من حيث العناية والنظافة والأجهزة الحديثة ولكن صدمت بقسم التنويم والمستوى المتدني والثغرات التي لا تغتفر بدءاً من مستوى الخدمات المقدمة والغرف المستطيلة ذات الأسرة الستة والحمام المشترك لكافة المرضى وممرضتين فقط لخدمة المرضى الستة تحرصان كل الحرص على ترك أثر وختم غامق على جسد المريض حين تخطئان مراراً في إدخال الإبرة في عروقه وتجهيزات أقل من متواضعة تجعلك تعتقد أنك في أحد المستوصفات الصغيرة والمغمورة في أحد الأحياء الشعبية أو في إحدى الدول الفقيرة! وليس في مستشفى يحسب على جامعة الملك سعود.
وهنا هل لي أن أسأل هل سيرضى أحد مسؤولي وزارة الصحة أو حتى الجامعة أن يرقد هو أو أحد أبنائه في هذا العنبر؟! أم أنه سينتقل إلى أحد المستشفيات الكبيرة ذات الأجنحة الفاخرة والخدمات الطبية المتكاملة؟!
كما أن عملية التشخيص تعتبر لطخة كبيرة وواضحة في ثوب المستشفى حيث سمعت قصصاً كثيرة من مرضى يشكون بألم وحرقة عن قصص قائمة الأمراض التي نسبوها الأطباء إلى أجسادهم وأجسادهم منها براء، والتي تسببت في تدمير وتشويه نفسيتهم ومن ذلك أمراض السرطان والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض القاتلة حين يتحدثون مع مرضاهم المتعبين والمكلومين والذين أعياهم المرض والسهر والبعد عن العائلة والأحباب وكل تفاصيل حياتهم اليومية بلغة قاسية وجائرة لا تراعي حالته النفسية الحرجة، ولا يدركون أن ذلك الراقد على السرير الأبيض يتمسك بحبل رفيع قد يساعده على العودة إلى الحياة ويتشبث بقشات أمل ورجاء علها تسانده على مواجهة الألم والوجع والصراع من أجل البقاء ربما ليس لنفسه بل من أجل عائلته التي افتقدها كثيراً ثم يأتي هؤلاء قطاع الأمل الذين ظنوا أن شهادات الطب تلك تمنحهم حق نزع الرغبة والعزيمة من أجسادهم العليلة - كما ينزعون منها الأجهزة - التي تحتاج لابتسامة حنونة منهم وكلمات متفائلة قد تساهم في عملية الشفاء وإن بدت معقدة أو حتى مستحيلة ولا تحتاج إلى قسوة يجب أن يتبعها جلسات علاج نفسي للتعافي من ذلك الرعب والكوابيس والتجارب التي قاموا بها في أجسادهم.
فأي طب ذلك الذي يعلمنا القسوة والتحجر؟! وأين هم المسؤولون عن تلك الفوضى في التشخيص وإطلاق التوقعات دون تثبت أو دراية؟؟ وهل كلف مدير المستشفى نفسه أو حتى وكّل أحد معاونيه لكشف مواطن الخلل والخطأ من خلال أخذ جولة على المرضى وتلمس احتياجاتهم والاستماع لشكواهم؟؟
هذا غيض من فيض وهذا بعض مما شاهدته وعشته وسمعته من المرضى وهناك العديد من الأخطاء التي سيكتشفها المسؤولون إن كلفوا أنفسهم البحث عنها، منها: المستوى المتدني للخدمات والمختبرات وبالتالي فوضى التشخيص، وعدم إحاطة ملف المريض بالسرية والخصوصية وغيرها الكثير.. فألا يستحق المواطن السعودي مهما كان مستواه الاجتماعي والمادي أن يجد سريراً وخدمة ممتازة حين يباغته المرض مثل باقي المواطنين في الدول الغنية والمتقدمة؟!
أخيراً.. أعلم جيداً أن الدكتور العثمان يولي النقد الصحفي كل الاهتمام كونه مدير متميز وذو فكر منفتح ومتطور لا يتوقف عن النمو والاتساع فكم أتمنى أن يقوم بتدخل عاجل لإصلاح ما يمكن إصلاحه، فما أجمل أن يولي البنية الداخلية للمستشفى وإدارتها كثيراً من المتابعة والمراقبة مثل ما يركز على ضخامة المباني والمنشآت الجديدة، فهو من كان قدره أن ينقذ الجامعة ويعود ليحلق بها ويصمم رحلتها نحو العالمية فما كان له سوى الدعاء والثقة والمجد.