كأننا نسعد بالعيد، ونتظاهر بالفرح لمقدمه، لنبالغ في رصف عبارات المباركة والمعايدة، فنقتني لمقابلته أفخر الثياب وأنصعها ونزهو بالغُتَرِ الأنيقة أمامه، وننتقي العطور والبخور،
مع جلبنا لأصناف كثيرة من الحلوى والمكسرات، بل إن من بيننا من يهرق على المناسبة من جزيل المنح والهبات لمن حوله، ومن ينحر الحواشي والكباش، بل إن هناك من يتظاهر بالفرحة الغامرة وهو يلقم البندقية طلقات الابتهاج فوق الرؤوس إلا أن الشعور في العيد بات فاتراً إن لم يكن مفقوداً نظراً لأن الكثير من المشاهد الإنسانية الجميلة باتت تغادر مشهدنا الاجتماعي.
قد يكون هناك كبير سن يدعو لنا بالعيد السعيد وبالعمر المديد، بل ونمد أيدينا بوعد الحب وبعبارات التهاني الشفوية، أو ما تختزنه هواتفنا من عشرات الرسائل التي تبارك وتهنئ وكأننا عثرنا على ضالة قيمنا الإنسانية الغائبة.
تجدد هذه الرسائل الهاتفية الممطرة شعراً مما سلف من أبيات ومقولات وعبارات لعلها تنطق من بَكِمَ منا ومن بات لا يعرف عن العيد شيئاً، فهذه الوصلات الشعرية تدوزن عادة معنى العيد وواجباته ومحفزاته الإنسانية الخالدة في الوجدان.
فرغم هذه الجهود في التواصل والزيارات والوعود فإننا لا نزال نبحث عن حقيقة العيد، وجوهرة السعادة المفقودة في مشاعرنا وأفئدتنا، إذ لم نعثر للأسف على شيء من هذا القبيل المبهج الذي بتنا نحسبه شيئاً من الخيال الجميل، أو مجرد حكاية عبرت مسالك التاريخ.
فرغم أننا أتممنا مظاهر العيد الخارجي فعلاً وتزودنا جميعاً بسبل شحن الذات عاطفياً، وشكلياً، لنكثر الصور والتظاهر بأننا على استعداد تام بأن نستقبله مع خيوط الفجر الأولى، إلا أننا للأسف لم نحظَ بحضور بهائه الوجداني الموعود، ولم يغمرنا الفأل بوجود فرحة رغم أنه أقام بيننا لثلاثة أيام كاملة.
العيد حياة وجدانية بسيطة تنبع من قلب الإنسان العفوي الذي يترجمها إلى علاقات سامية وليس أدل من ذلك على بقاء صورة العيد قديمة ونقية، يغالبها عنصر التشويق والإثارة نظراً لما تتمتع فيه من حضور إنساني مبتهج بشكل عفوي حيث ترفرف هذه الانثيالات الجميلة على الكائنات والأماكن بحبور المناسبة وصدق اللقاء.
هنا من يرى العيد هذه الأيام أنه مجرد فرصة لترميم العلاقات الواهنة أو المقطوعة، فيمكن لأي شخص أن يتجاهل من حوله من الأهل وذوي القربى على مدى شهور طويلة، بل لا يلبي دعواتهم أو حتى يشعر ببعض همومهم إلا في مناسبة العيد، فهو يشعر أن هذه الأيام الثلاثة هي بمثابة توقف قسري لأعماله وحياته، ليحاول تلفيق هذه العلاقات والحضور بوجدانية مصطنعة.
حتى أن العلاقة بين العيد وبين الأطفال باتت تفتر لأن الكبار للأسف لم يشحنوا عواطف الصغار بما هو جميل ودافئ عن هذا الزائر الجميل، حتى وإن جلبوا لهم مزيداً من الثياب وملؤوا جيوبهم بالحلوى والريالات فهو لم يعد هاجساً وجدانياً إنما هو وصلة اجتماعية عادية، أو لقاء أسري لا جديد فيه إلا طقس اللباس الفاخر جداً.
فرحيل هذه المناسبة ومغادرة فرحها الجميل قد يعزى إلى أسباب خارجية مدمرة حلت بنا، أولها حياة المادة المفرطة التي ولدت الشره والنهم وحب المال وحب الذات والأنانية التي تجعل العالم مجرد هاجس ممض يمكن التخلص منه في هذه الأيام المحددة للعيد، وبعدها تعود الأحوال إلى ما هي عليه.
Hrbda2000@hotmail.com