قدمت هيئة الاستثمار توضيحا على لسان أحد مسؤوليها لما أعلنت عنه أمانة جدة من منحها تراخيص لمستثمرين كانت الهيئة قد أعطتهم موافقتها لمزاولة أنشطتهم، وهذا الرد الإيضاحي يعد خطوة إيجابية حيث يمثل تفسيرا ليس فقط لماهية هذه الاستثمارات إنما يظهر قصورا وخللا في التنسيق بين بعض الجهات ذات العلاقة بتنظيم العمل التجاري فقد قلل هذا القصور بتطوير مسميات التراخيص الاستثمارية إلى نقلها للقارئ والرأي العام بأنها لا تلبي طموحات الاقتصاد السعودي ولا احتياجاته ولا تتماشى مع حجمه بأي حال، وهذا الأمر انتقل عبر وسائل الإعلام ولابد من أنه أعطى صورة سلبية عن عمل الهيئة بشكل أو بآخر مما يعني ضرورة الإسراع إلى استكمال خطوات التنسيق مع كافة الجهات المعنية لكي تسمى الأشياء بأسمائها، ولكن بالمقابل لم يفند تصريح الهيئة سوى تسعة تراخيص من أصل عشرات تمت الموافقة عليها بمعنى أن الهيئة ركزت على تلك التي تعد النشطة مقبولة ومهمة وتحقق إضافة اقتصادية أم كانت المسألة هي طرح عينات لما تم منحه وأن الباقي على نفس النهج فالرد المنتظر من الهيئة كان يجب أن يوضح كافة التراخيص دون استثناء حتى لا يبقى هناك لبس ومجال للاجتهاد في أسباب ذكر مجموعة بسيطة من أصل ما تم الحديث عنه بالإعلام وأصبح مادة خصبة لانتقاد عمل الهيئة كتلك المتعلقة بتجهيز الحفلات وإصلاح مكائن الخياطة وأعمال الصيانة والمقاولات.
كما أن التصريح يوضح مدى الحاجة إلى أن تقوم الهيئة عبر موقعها وكذلك من خلال نشرات دورية تصدرها بإعطاء معلومات كاملة عن حجم الاستثمارات الأجنبية بالمملكة وتوزعها كذلك فالإحصاء الدوري والإفصاح المستمر أهمية كبيرة جدا بأي جهة حكومية ذات علاقة مباشرة مع المستثمر أو المستهلك على حد سواء ولها دور أيضا بمنح الباحثين كل الأرقام والمعلومات التي تهمهم للقيام بدراساتهم وأبحاثهم مما يمنحنا تقدما كبيرا في مجال المعلومات عن السوق والاقتصاد بشكل عام وقد أيد صندوق النقد الدولي اتجاه الحكومة نحو تطوير العمل الإحصائي وأكد الصندوق دعمه لهذا الاتجاه واستعداده للمساعدة على تحقيق التطور بالعمل الإحصائي والمأمول من هيئة الاستثمار أن تكون رائدة بهذا المجال وتلعب دور رأس الحربة فيه كونها تقدم أنموذجا متطورا للعمل الحكومي يحقق التنافسية على مستوى العالم بجذب الاستثمارات، فالمستثمر العالمي يهتم جدا بل ويعتبر أحد النقاط الرئيسة لديه معرفة واقع وأحوال أي اقتصاد يتجه إليه ويتضح له ذلك من كم الإحصاء والمعلومات التي يستطيع الحصول عليها من خلال ما يتم نشره عن كل قطاع وكذلك عن الاقتصاد بشكل عام.
إن النقد الذي اعتبرته الهيئة مقدرا من قبلها من باب احترام الرأي والرأي الآخر بالتأكيد يصب في مصلحة الوطن بالنهاية ويساعدها على تطوير أدائها بشكل مستمر فهناك من يعمل كمستثمر أجنبي وشريك مع منشأة سعودية ويتم تجديد الترخيص له سنويا احتاج إلى 45 يوما لينهي إجراءاته رغم أن الهيئة توصلت لمدة 35 يوما فهل ذلك الحادث استثناء أم أنه جانب يحتاج إلى سرعة بالمعالجة حتى لا يتراجع تصنيف المملكة عالميا في ميدان التنافسية الدولية وواقعة لابد من البحث فيها حتى لا تتكرر مستقبلا فمثل هذه المسائل لابد وأنها تصل إلى الجهات الدولية المعنية بالتقييم الاستثماري لأي دولة عبر هؤلاء المستثمرين خصوصا عندما يكونوا دوليين بمعنى الكلمة.
ثم إن الهيئة أيضا لم توضح للرأي العام ما هو واقع الاستثمارات التي مازالت تثير جدلا خصوصا تلك القديمة التي تحول فيها وافدين إلى مستثمرين بطرق ميسرة ويقومون بأعمال لا تقدم ولا تؤخر في احتياجات السوق بخلاف الضرر التي أحدثته على المنافسين من أصحاب المشاريع الصغيرة بشكل مباشر وغير مباشر فما هي الخطوات القادمة والمرحلة التي ستنتقل بها الهيئة إلى مراحل أعلى باستقطاب الاستثمارات المهمة وإنهاء كافة التراخيص المتعلقة بما لا يشكل قيمة مضافة فهل هذه الاستثمارات ستبقى إلى ما لا نهاية أليست المراجعة الدورية تحمل في طياتها تقدما كبيرا بدعم أنشطة الاقتصاد وتقليص حجم أي سلبيات فيه أليس اقتصادنا هو من يحمل الميزة النسبية التي يبحث عنها أي مستثمر نظرا لما يتمتع به من إمكانيات كبيرة يتفوق فيها على الكثيرين بحيث يدفعون الكثير مقابل الولوج للسوق المحلي ونعني هنا المال والخبرات والتقنية والسعودة.
هيئة الاستثمار كأي جهة حكومية ذات علاقة مباشرة بالاقتصاد وتأثير على المستهلك ستبقى عرضة للنقد والإشادة بحسب الحالة التي يتم فيها الحديث عنها ولكن يبقى عملهم مقدرا وذو قيمة كبيرة للاقتصاد والوطن في هذه المرحلة غير أن التطوير المستمر والإفصاح والشفافية نقطة جوهرية في مسار العمل وانعكاسه على الاقتصاد السعودي.
وكل عام وأنتم بخير.
mfaangari@yahoo.com